قوله : (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ؛) أي استوت السفينة على الجوديّ شهرا ، وهو جبل بالجزيرة ، (وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٤٤) ؛ يجوز أن يكون معناه : قال الله تعالى : (بُعْداً) أي سخط من رحمة الله للقوم الكافرين ، ويجوز أن يكون هذا من قول أهل السفينة حين نجوا من الغرق ، وخرجوا من السفينة ، قالوا : (بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي أبعدهم الله من رحمته في الآخرة أيضا.
قوله تعالى : (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ؛) أي قومي ، (وَإِنَّ وَعْدَكَ ؛) بنجاة قومي ، (الْحَقُّ ؛) الصّدق لا شكّ فيه ، (وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) (٤٥) ؛ في قولك وفعلك ، وكان دعاء نوح عليهالسلام بهذا الدّعاء حين حال الموج بينه وبين ابنه كنعان. (قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ ؛) معناه : قال الله : يا نوح إنّه ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم ، إنما أهلك دينك ، وإنّ ابنك كافر ليس على دينك ، فانقطعت العصمة بينك وبينه بكفره وإيمانك.
قوله تعالى : (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) أي إنّ سؤالك إيّاي أن أنجي كافرا عمل غير صالح ، قرأ الكسائيّ ويعقوب (عمل) بكسر الميم وفتح اللام (غَيْرُ) منصوب ؛ أي إنه عمل بالشّرك والتكذيب ، وقرأ الباقون بالرّفع والتنوين (غير) بالرفع ؛ أي إنه ذو عمل غير صالح. وقيل : إنّ سؤالك إيّاي نجاة ولدك الذي ليس من أهلك سؤال غير مرض.
قوله تعالى : (فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ؛) قرأ ابن كثير بتشديد النّون وفتحها ، وقرأ أهل المدينة والشام بتشديد النون وكسرها ، والمعنى واحد ؛ أي لا تسألني ما ليس لك به علم أنه صواب وأنا أفصله.
قوله تعالى : (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) (٤٦) ؛ أي إنّي أعظك أن تسألني سؤال الجاهل ، ولكن سلني سؤال العالم بي. والوعظ في اللغة : هو الزّجر عن القبيح ، وكان نداء نوح (رب إنّ ابني من أهلي) نداء تعظيم لله تعالى على ظنّ أنّ ابنه من أهل دينه. وقوله تعالى (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) نداء تنبيه على أنه ليس من أهل دينه ، ولا من أهل أن يلطف به.