قوله : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي ؛) أي قيل بعد ما تناهى أمر الطّوفان ، وذلك لما روى ابن عبّاس رضي الله عنهما : (أنّ السّماء مطرت أربعين يوما اللّيل والنّهار ، وخرج ماء الأرض أربعين يوما اللّيل والنّهار ، وسارت بهم السّفينة فطافت بهم الأرض كلّها في خمسة أشهر لا تستقرّ على شيء حتّى أتت الحرم فلم تدخله ، وطافت بالحرم أسبوعا ، ورفع البيت الّذي بناه آدم إلى السّماء ، وهو البيت المعمور ، جعل الحجر الأسود على أبي قبيس ، وأودع فيه ، ثمّ ذهبت بهم السّفينة في الأرض حتّى انتهت بهم إلى الجوديّ وهو جبل بأرض الموصل ، فاستقرّت عليه بعد خمسة أشهر). ويقال : ركب نوح في السفينة لعشر مضين من رجب ، وخرج منها يوم عاشوراء ، فذلك خمسة أشهر.
فلما استقرّت السفينة على الجوديّ كشف نوح الطبق الذي فيه الطير ، فبعث الغراب ليأتيه بالخبر فأبصر جيفة ، فوقع عليها وأبطأ على نوح ولم يأته ، فأرسل الحدأة على إثره فأبطأت عليه ولم تأته ، فدعا على الغراب أن يكون طويل العمر في مخافة وشقاء. ثم أرسل الحمامة بعد الحدأة بسبع فلم تجد موقعا فرجعت ، فبسط لها نوح عليهالسلام كفّه فوقعت عليه ، ثم مكث نوح ما شاء الله ، ثم أرسلها مرّة أخرى فجاءت بعد ذلك فوقعت على الأرض وغابت رجلاها في الطّين ، فعرف نوح أن الأرض قد ظهرت ، فدعا بها فقال : كوني آنس طير وأنعمه وأكيسه.
وقوله تعالى : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ) أي أنشفي الماء الذي خرج منك. قوله تعالى : (وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) أي كفّي عن الصّب ، يقال : أقلعت السماء إذا استمسك المطر حتى لم يبق له أثر ، وأقلعت الحمّى عن فلان إذا تركته. قوله تعالى : (وَغِيضَ الْماءُ ؛) أي ونشف الأرض ماؤها ، ويقال غاض الماء يغيض إذا غار في الأرض.
قوله تعالى : (وَقُضِيَ الْأَمْرُ ؛) أي وقع هلاك الكفار على التّمام ، هلك من هلك ، ونجا من نجا. قال ابن عبّاس : (نشّفت الأرض ماءها الّذي خرج منها ، وذهب ماء السّماء إلى البحور ؛ لأنّ الله تعالى قال (يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ)).