واختلفت القراءة في قوله (يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا :) قرأ بعضهم بكسر الياء على الإضافة وهو الأجود ؛ لأن الأصل يا بني ثلاث ياءات ، ياء التصغير وياء الفعل (١) وياء الإضافة ، فحذفت ياء الإضافة ، وتركت الكسرة دليلا على الإضافة ، وأدغمت إحدى اليائين في الأخرى (٢). وقرأ بعضهم (يا بنيّ) بفتح الياء على أن أصلها : يا بنيّا بالألف ، كما تقول العرب : يا غلاما أقبل ، تريد يا غلامي أقبل ، فتبدل الألف من ياء الإضافة على وجه النّدبة والتّفجيع ، وكان الأصل يا بنيّا ثم حذفت الألف لسكونها وسكون الراء من قوله (اركب).
قوله تعالى : (قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ ؛) أي قال ابن نوح : سأذهب وأرجع إلى مأوى من الجبل حريز يمنعني من آفات الماء ، (قالَ ؛) له نوح عليهالسلام : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ ؛) بالنجاة ، وتقدير الكلام : لا عاصم اليوم من عذاب الله إلا الله تعالى ، وقال بعضهم : لا عاصم اليوم من عذاب الله إلا من رحمهالله ، وهو نوح عليهالسلام فإنّه قد جعل الله إليه إركاب المؤمنين في السفينة ، وقيل : معناه : لا معصوم اليوم إلا من رحمهالله ، كما قال الحطيئة :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها |
|
واقعد فإنّك أنت الطّاعم الكاسي |
المطعوم (٣) المكسوّ ، ومنه يقال : سرّ كاتم أي مكتوم.
قوله تعالى : (وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ ؛) أي بين كنعان ونوح ، وقيل : بين كنعان والجبل ، (فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) (٤٣).
__________________
(١) في المخطوط : (ولام الفعل) وهو تحريف من الناسخ ، والصحيح : (ياء الفعل).
(٢) في الجامع لأحكام القرآن : ج ٩ ص ٣٩ ؛ قال القرطبي : (وأصل (يا بني) أن تكون بثلاث ياءات : ياء التصغير ، وياء الفعل ، وياء الإضافة ، فأدغمت ياء التصغير في لام الفعل ، وكسرت لام الفعل من أجل ياء الإضافة ، وحذفت ياء الإضافة لوقوعها موقع التنوين ، أو لسكونها وسكون الراء في هذا الموضع ، وهذا أصل قراءة من كسر الياء ، وهذا أيضا أصل قراءة من فتح ؛ لأنه قلب ياء الاضافة ألفا لخفة الألف ، ثم حذف الألف لكونها عوضا من حرف يحذف ، أو لسكونها وسكون الراء).
(٣) في المخطوط : (المطعم) والمناسب كما أثبتناه.