ويجعل للماء أكافا (١) فأين الماء؟! وكانوا يقولون في كلامهم : فرغت من أمر النبوّة ، وأخذت في أمر النّجارة! وكانوا يرونه ينجر الخشب ، وهي شبه البيت العظيم ، فإذا سألوه عن ذلك ، قال أعمل سفينة تجري في الماء ، ولم يكن هناك قبل ذلك سفينة ، فكانوا يتضاحكون ويعجبون من عمله.
و (قالَ ؛) لهم نوح : (إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا ؛) الآن ، (فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ ؛) عند نزول العذاب ، (كَما تَسْخَرُونَ) (٣٨) ؛ أنتم الساعة ؛ أي إن كنتم تسخرون منّا لما ترون من صنعة الفلك ، فإنّا نعجب من غفلتكم عما أضلّكم ، (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ؛) من أحقّ بالسّخريّ منّا ومنكم ، وتعلمون ، (مَنْ ؛) الذي ، (يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ ؛) في الدّنيا ، (وَيَحِلُّ عَلَيْهِ ،) وينزل عليه ، (عَذابٌ مُقِيمٌ) (٣٩) ؛ دائم في الآخرة.
قوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها ؛) قال ابن عبّاس : (وذلك أنّ الله أوحى إليه أنّ موعدك أن يخرج الماء من آخر مكان في دارك وهو تنّور الخابزة ، تنّور آدم عليهالسلام كان يوم حجّ نوح عليهالسلام رأى تنّور آدم عليهالسلام فحمله معه ، ووهبه الله تعالى له).
ثمّ قال له : إذا رأيت الماء قد فاض منه فاحمل في السّفينة ما أمرت به من أجناس الحيوان ، (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ؛) واحمل ؛ (وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ؛) بالعذاب وهي امرأته الكافرة وابنه كنعان استثناهما الله من جملة أهله.
قوله تعالى : (وَمَنْ آمَنَ ؛) أي احمل من آمن معك أيضا في السّفينة ، وقال ابن عبّاس وعكرمة والزهريّ : (معنى قوله تعالى : (وَفارَ التَّنُّورُ) أي انبجس الماء
__________________
(١) إكاف الحمار ووكافه ، والجمع (أكف). وقد (آكف) الحمار و (أو كفه) أي شدّ عليه الإكاف. وفي تهذيب اللغة : ج ١٠ ص ٢١٣ ؛ قال الأزهري : (روي عن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : [خيار الشّهداء عند الله أصحاب الوكف] قيل : يا رسول الله ومن أصحاب الوكف؟ قال : [قوم تكفّأ عليهم مراكبهم في البحر]). وقال : (يقال : فلان على وكف من حاجته ، إذا كان لا يدري على ما هو منها ... لأنّ التّكفّي الميل).