قوله تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي ؛) معناه : أنّ قومه يقولون : إنّ نوحا قد تقوّل على الله الكذب ، فأمر الله نوحا أن يجيبهم بالقول اللّيّن بعد المبالغة في إقامة الحجّة عليهم ، فيقول لهم : (إِنِ افْتَرَيْتُهُ) أي تقوّلت الكذب على الله فعليّ عقوبة إجرامي ، (وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) (٣٥) ، وأنا بريء من عقوبة جرمكم. ويقال : معنى الآية : أم يقول أهل مكّة إنّ محمّدا صلىاللهعليهوسلم قد افترى قصّة نوح (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي) والإجرام يستعمل في كسب الإثم خاصّة.
قوله تعالى : (وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) أي وأوحى الله إلى نوح : أنه لن يصدّق من قومك سوى من صدّق ، (فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) (٣٦) ؛ فلا تغتمّ بالحزن عليهم ، والابتئاس : هو الغمّ على وجه الاستكانة للحزن على الشّأن. فقيل : إنما دعا نوح عليهالسلام بقوله : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً)(١) بعد هذا الوحي.
قوله تعالى : (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا ؛) أي اصنع السّفينة بحفظنا لك حفظ الرّاعي لغيره لدفع الضّرر عنه ، وذكر الأعين لتأكيد الحفظ. ويقال : معناه بأعين الملائكة الذين يعرّفونك كيف تصنع السفينة.
قوله تعالى : (وَوَحْيِنا) أي وبأمرنا إيّاك. قوله تعالى : (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ؛) أي لا تراجعني الكلام في نجاة الذين ظلموا أنفسهم بالكفر ، (إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ؛) (٣٧) بالطّوفان.
قوله تعالى : (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ) أي لما أخذ نوح في علاج السّفينة. ويروى أنه استأجر أجراء ينحتون معه ، وكلّما مرّ ملأ من قومه هزئوا به لمعالجته السفينة ؛ لأنّهم كانوا يرونه يعمل السفينة مع أنّه لم يكن بقربه ماء ، وكان من لدن آدم عليهالسلام إلى نوح يسقون من ماء المطر ، فلا بحر ولا نهر جار ، فكانوا يقولون : انظروا إلى هذا الشّيخ الضالّ يصنع هذه السفينة يخوّفنا بالغرق ،
__________________
(١) نوح / ٢٦.