أحذّركم من عذاب الله إن كان الله يريد أن يضلّكم عن الهدى مجازاة بعملكم ، فإن إرادة الله فوق إرادتي ، ويكون ما يريد لا ما أريد.
فإن قيل : كيف يجوز أن تكون إرادة إبليس موافقة لإرادة الله ، وإرادة نوح مخالفة لإرادة الله؟ فالجواب : إنّ الله تعالى شاء لأؤلئك القوم الكفر ، وشاء لنوح أن يسألهم الإيمان ، وشاء لإبليس أن يسألهم الكفر ، فالكلّ بمشيئة الله تعالى. ويقال : معنى قوله : (إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) إن كان الله يريد أن يهلككم ، وينحّيكم من رحمته بكفركم ، كما قال (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)(١) أي هلاكا وعذابا ، والغيّ قد يكون بمعنى الخيبة ، كما قال الشاعر :
فمن يلق خيرا يحمد النّاس أمره |
|
ومن يغو لا يعدم على الغيّ لائما (٢) |
أي ومن يخب ، يقال : غوى الرجل يغوي غيّا ؛ إذا فسد عليه أمره ، أو فسد هو في نفسه ، ومنه (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى)(٣) أي فسد عليه عيشه في الجنّة ، وهذا يؤوّل أيضا إلى معنى الخيبة فيها فساد العيش.
وذكر الحسن في معنى الآية : (لا ينفعكم نصحي اليوم إذا نزل بكم العذاب ، فاستدركوا أمركم قبل نزول العذاب لتنتفعوا بنصحي). قوله تعالى : (هُوَ رَبُّكُمْ) أي مالككم يقدر على إنزال العذاب بكم ، (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٣٤) ؛ أي إليه مصيركم بعد الموت فيجزيكم بأعمالكم.
وهذه الآية مما يحتجّ بها أنّ الشرط إذا اعترض على الشرط من غير أن يتخلّلهما الجواب ، كان الشرط الثاني مقدّما على الأوّل في المعنى ، حتى لو قال قائل : إن دخلت الدار ، إن كلّمت زيدا فعبدي حرّ ، لا يحنث حتى يكلّم ثم يدخل. فيكون تقدير الآية : ولا ينفعكم نصحي إن كان الله يريد أن يغويكم إن أردت أن أنصح لكم.
__________________
(١) مريم / ٥٩.
(٢) ينظر : لسان العرب : ج ١٠ ص ١٤٩ : (غوي).
(٣) طه / ١٢١.