وقال مجاهد : (جعلت الأرض لملك الموت كالطّشت يتناول من حيث شاء ، وله أعوان يتوفّون الأنفس ، ثمّ يقبضها منهم) (١). ويقال : إنّ أعوان ملك الموت يستخرجون الروح من الأعضاء عضوا عضوا ، حتى إذا جمعوه في صدره وجعل يغرغر به ؛ قبضه حينئذ ملك الموت.
وقد روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أنّه دخل على مريض يعوده ، فرأى ملك الموت عند رأسه ؛ فقال : [يا ملك الموت ؛ ارفق به ، فإنّه مؤمن ، فقال ملك الموت : يا محمّد ؛ أبشر وطب نفسا وقرّ عينا ؛ فإنّي بكلّ مؤمن رفيق ، إنّي لأقبض روح المؤمن فيصعق أهله فأعتزل في جانب الدّار ، فأقول : ما لي من ذنب ، وإنّي لمأمور ، وإنّ لي لعودة فالحذر الحذر ، وما من أهل بيت مدر ولا وبر ، في بحر أو برّ ، إلّا وأنا أتصفّحهم في كلّ يوم خمس مرّات ، حتّى أنّي لأعلم بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم ، والله لو أردت أن أقبض روح بعوضة لما قدرت عليها حتّى يأمرني الله تعالى بقبضها](٢).
قوله عزوجل : (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ) ؛ أي ثم ردّهم الملائكة إلى الموضع الذي لا يملك أحد الحكم فيه إلا الله تعالى ، وقوله : (مَوْلاهُمُ الْحَقِّ) أي مولاهم من كلّ جهة ، فإنه يملك خلقهم وإنشاءهم وتربيتهم وإماتتهم وإحياءهم وضرّهم ونفعهم ، وهو الذي دبّر في الابتداء أمرهم حيث أنشأهم. ومعنى قوله تعالى : (مَوْلاهُمُ الْحَقِّ) أي الذي عبادته حقّ ، ويعطي الثواب الحقّ ، ويتولّى العقاب بالحقّ ، وقيل : إنّ هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى ؛ لأنه لا مردّ للعبد أحسن من مردّه إلى مولاه.
قوله تعالى : (أَلا لَهُ الْحُكْمُ) ؛ كلمة بيّنة ؛ أي اعلموا أنّ بيّنة القضاء بين العباد يوم القيامة يحكم فيهم ما شاء وكيف شاء. وقوله تعالى : (وَهُوَ أَسْرَعُ
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٠٣٨٩).
(٢) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير : ج ٤ ص ٢٢٠ : الحديث (٤١٨٨). وفي مجمع الزوائد : ج ٢ ص ٣٢٥ ؛ قال الهثيمي : ((رواه الطبراني في الكبير ، وفيه عمرو بن شمر الجعفي والحارث بن الخزرج ولم أجد من ترجمهما ، وبقية رجاله رجال الصحيح)).