وقوله تعالى : (أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ ؛) أي وليقولوا لا تعبدوا إلا الله فإنه لا إله إلا هو ، (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) (٢٦) ؛ أي إنّي أعلم أن يكون عليكم إن لم تؤمنوا عذاب يوم أليم ، وإنما وصف اليوم بالألم ؛ لأن أسباب الألم تقع فيه ، فنسب الألم إليه.
وقوله : (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا ؛) أي قال الرّؤساء والأشراف الذين كفروا من قوم نوح : ما نراك يا نوح إلا بشرا مثلنا في الصورة والخفّة ، فلم صرت أولى أن تكون نبيّا ورسولا لله منّا.
قوله تعالى : (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا ؛) ما نراك آمن بك إلّا الذين هم أسافلنا وأخسّنا ، قال ابن عبّاس : (يريدون المساكين الّذين لا عقول لهم ولا شرف ولا مال) والرّاذل الدّون من كلّ شيء.
قوله تعالى : (بادِيَ الرَّأْيِ ؛) أي من قرأ (بادئ) بالهمز فمعناه : أنّهم اتّبعوك بأوّل الرأي من دون تفكّر ونظر ، من قولهم : بدأت الأمر ؛ أي ابتدأته ، ويجوز أن يكون المعنى : بادي الرؤية ؛ أي بأوّل ما تقع الرؤية عليهم يعلم أنّهم أراذلنا ، وقد يكون الرأي بمعنى الرّؤية. قال الله تعالى : (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ)(١) أي رؤية العين. ومن قرأ (بادي) بغير همز فمعناه : ظاهر الرأي وهم يعرفون الظاهر ولا تمييز لهم.
ويجوز أن يكون معناه : اتّبعوك في الظاهر ، وباطنهم على خلاف ذلك. قوله تعالى : (وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ ؛) أي ما نرى لك ولقومك علينا من فضل ، فإنّ الفضل يكون بكثرة المال ، وشرف النّسب والمنزلة في الدّنيا ، (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) (٢٧) ؛ فيما تقولونه على الله ، وفيما تدعون إليه.
قوله تعالى : (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ؛) أي قال لهم نوح : أخبروني إن كنت على برهان وحجّة من ربي ، (وَآتانِي رَحْمَةً ؛) نعمة ، (مِنْ عِنْدِهِ ؛) وهي النبوّة ، (فَعُمِّيَتْ ؛) فخفيت ، (عَلَيْكُمْ ،) هذه النعمة
__________________
(١) آل عمران / ١٣.