قوله تعالى : (لا جَرَمَ ؛) قيل : معنى (لا جَرَمَ) : لا بدّ ، ويقال : لا محالة ، ويقال : حقا ، قال سيبويه : (لا جرم بمعنى حقّا) (١). وقال الزجّاج : (لا بقاء لما ظنّوا أنّه ينفعهم) كأنه قال : لا ينفعهم ذلك جرم ، (أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) (٢٢) ؛ أي كسب ذلك الفعل لهم الخسران ، وجرم معناه : كسب ، وذلك كقوله : (لا يَجْرِمَنَّكُمْ)(٢).
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٢٣) ؛ الإخبات : الخشوع والتواضع والطّمأنينة ؛ أي تواضعوا وخشعوا لربهم. وقال مجاهد : (اطمأنوا) ، وقال قتادة : (أنابوا). وهذه الآية نازلة في أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وما قبلها نازل في المشركين.
ثم ضرب الله مثلا في الفريقين فقال :
قوله تعالى : (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ ؛) يعني الكفار ، (وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ ؛) يعني المؤمنين ؛ لأنّهم سمعوا الحقّ وأبصروه واتّبعوه. قوله تعالى : (هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً ؛) أي هل يستوي الأعمى والأصمّ والبصير والسميع عند عاقل ، كما لا يستويان عند أحد من العقلاء ، فكذلك لا يستوي حال المؤمن والكافر عند الله في الدّنيا والآخرة ، (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (٢٤) ؛ أي أفلا تتّعظون بأمثال القرآن.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٢٥) ابتدأ بذكر أوّل رسول جاء بالشريعة بعد آدم عليهالسلام وهو نوح عليهالسلام ، أوّل من جاء بتحريم الأمّهات والأخوات ، وقوله تعالى : (إِنِّي لَكُمْ) من فتح الألف كان التقدير : أرسلنا نوحا بأنّي لكم ، ومن كسر فتقديره ليقول : إنّي لكم.
__________________
(١) قال سيبويه معناه في كتاب سيبويه : ج ٣ ص ١٣٨. وفي معاني القرآن وإعرابه : ج ٣ ص ٣٧ ؛ قال الزجاج : (ومعنى (لا) نفي لما ظنّوا أنه ينفعهم ، كأن المعنى : لا ينفعهم ذلك جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون.
(٢) المائدة / ٢.