قوله تعالى : (ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ) ؛ أي ثم إلى الله مصيركم ومتقلّبكم بعد الموت ، (ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٦٠) ؛ أي ثم يخبركم في الآخرة بما كنتم تعملون في الدّنيا ؛ فيجازي كلّ عامل ما عمل.
قوله عزوجل : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) ؛ أي هو الغالب لعباده المستعلي عليهم بالقدرة ، وليس معنى (فوق) معنى المكان ؛ لاستحالة إضافة الأماكن إلى الله ، وإنّما معناه الغلبة والقدرة ، ونظيره : فلان فوق فلان في العلم ؛ أي أعلم منه.
قوله تعالى : (وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) ؛ معناه : والمرسل عليكم حفظة ، فاكتفى بالفعل عن الاسم. والحفظة : هم الملائكة يحفظون على العباد أعمالهم على ما تقدّم.
وقد ورد في الخبر : أن على كلّ واحد منّا ملكين بالليل ؛ وملكين بالنهار ، يكتب أحدهما الحسنات ؛ والآخر السيّئات ، وصاحب اليمين أمير على صاحب الشّمال ، فإذا عمل العبد حسنة ؛ كتب له بعشر أمثالها ؛ وإذا عمل سيّئة فأراد صاحب الشّمال أن يكتب ؛ قال له صاحب اليمين : أمسك ، فيمسك عنه ستّ ساعات أو سبع ساعات ، فإن هو استغفر الله تعالى ؛ لم يكتب عليه ، وإن لم يستغفر يكتب عليه سيّئة واحدة.
قوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) (٦١) معناه : حتّى إذا حضر أحدكم الموت ؛ قبض روحه ملك الموت وأعوانه ، وهم لا يقصّرون ولا يؤخّرونه طرفة عين ، فإن قيل : كيف هنا (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) وقال في آية أخرى : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ)(١)؟ قيل : إنّ ملك الموت هو الذي يقبض الأرواح كلّها وهو القائم بذلك ؛ إلا أنّ له أعوانا ؛ فتارة أضاف قبض الروح إلى ملك الموت ؛ لأنه هو المختصّ بذلك ، وتارة أضافه إليه وإلى غيره ؛ لأنّهم يصدرون في ذلك عن أمره.
__________________
(١) السجدة / ١١.