والتّوفّي في اللغة : هو القبض ؛ إلّا أن روح النائم لا تصير مقبوضة في حال نومه على جهة الحقيقة ؛ لأن النائم يستمدّ من الهواء على حسب ما يفعله المنتبه ، ولكنّ الله يحدث في حال النوم من بدن النائم ضربا من الاسترخاء في إغماء منه ، إمّا بسلب عقله ، أو بإحداث فعل في البدن يكون ذلك الفعل سببا لراحة البدن ، كما قال تعالى : (وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً)(١) فلما صار النائم كالميت في أنه لا يعقل وفي أن تصرفه لا يقع على تمييز ؛ شبه بالميت من حيث التوفّي على هذا الوجه ، كما ورد عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : [النّوم أخو الموت ، وأهل الجنّة لا يموتون ولا ينامون](٢). وعلى هذا الوجه يتأوّل قوله تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها)(٣) إلى آخر الآية.
وذهب بعضهم إلى أن الروح تخرج من البدن في المنام ، ولكن لا تنقطع حركة النائم ؛ لأن نظر الروح لم ينقطع عن البدن ؛ إذ هو على العود في كلّ وقت وفي كل ساعة ؛ وقال : لا يخرج منه الروح ، وإنّما يخرج منه الذهن.
قوله تعالى : (وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ) ؛ أي كسبتم من الخير والشرّ بالنهار ، يقال : جرح واجترح ؛ بمعنى كسب واكتسب ، وأصل الاجتراح : عمل الجوارح. قوله تعالى : (ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ) ؛ أي ينبهكم من نومكم في النهار على علم منه بما اجترحتم من قبل وما تجترحون من بعد ، (لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى) أي لتبلغوا الوقت المقدور الذي قدّره الله بحيويّتكم ؛ فتنقطع أرزاقكم وأعمالكم التي تعملون في الدّنيا من خير أو شرّ.
__________________
(١) النبأ / ٩.
(٢) أخرجه الطبراني في الأوسط : ج ١ ص ٥٠٢ : الحديث (٩٢٣) وج ٩ ص ٣٧٦ ـ ٣٧٧ : الحديث (٨٨١١). وفي مجمع الزوائد : ج ١ ص ٤١٥ : باب أهل الجنة لا ينامون ؛ قال الهيثمي : ((رواه الطبراني في الأوسط والبزار ورجال البزار رجال الصحيح)).
(٣) الزمر / ٤٢ : (.. فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).