مساجد في بيوتهم ويصلّون فيها خوفا من فرعون. والمعنى : وأوحينا إليهما أن اتّخذا لقومكما بمصر بيوتا ، يقال : بوّأه إذا عدّ لغيره بيتا ، وتبوّأ إذا اتخذ لنفسه بيتا.
قوله تعالى : (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً ؛) أي اجعلوها مصلّى ، (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ،) فصلّوا فيها مستترين من فرعون وقومه. وقيل : معناه : واجعلوا بيوتكم مساجد. وقال الحسن : (واجعلوا بيوتكم نحو القبلة وجبال الكعبة) قال : (وكانت الكعبة قبلة موسى ومن معه من المؤمنين) (١).
وقيل : إنّما لم يذكر الله الزكاة في هذه الآية ؛ لأن فرعون قد استعبدهم وأخذ أموالهم فلم يكن لهم ما يجب الزكاة فيه. قوله : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (٨٧) ؛ أي وبشّرهم بالثواب في الآخرة ، وبالنّصر في الدّنيا آجلا وعاجلا.
قوله : (وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ؛) أي قال موسى : إنك أعطيت فرعون وملأه زينة ؛ أي زهرة من المركب والحليّ والثياب ، وأموالا كثيرة من الدراهم والدنانير والعروض. قوله : (رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ ؛) أي ربّنا أعطيتهم الزينة والأموال ليكون عاقبة أمرهم أن يضلّوا عن سبيلك فلا يؤمنوا ، وهذه اللام لام العاقبة كما في قوله : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً)(٢).
قوله : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ ؛) معنى الطّمس على الأموال تغييرها عن جهتها إلى جهة لا ينتفع بها ، وحقيقة الطّمس ذهاب الشيء عن صورته بمحق الأثر. قال مجاهد وقتادة : (فغيّر الله أموال فرعون حتّى صارت دراهمهم ودنانيرهم حجارة أنصافا وأثلاثا وأرباعا ، وكذلك سائر أموالهم حتّى السّكّر والفواكه). قال قتادة : (بلغنا أنّ حروثا لهم صارت حجارة) (٣). وقال عطاء : (لم يبق لهم معدن إلّا طمس الله عليه ، فلم ينتفع به أحد).
__________________
(١) الأقوال في هذا الباب نقلها الطبري في جامع البيان عن ابن عباس في الأثر (١٣٧٧٩) ، وعن مجاهد في الأثر (١٣٧٨٣).
(٢) القصص / ٨.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٣٧٩٣).