قوله : (وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ ؛) معناه : واربط على قلوبهم بالصبر حتى لا يتحوّلوا عن بلادهم إلى بلاد الخصب فيبقون في هذه العقوبة أبدا. وقيل : معناه : امنعهم عن الإيمان بك ، والمعنى اطبع عليها حتى لا تلين ولا تشرح الايمان. قوله : (فَلا يُؤْمِنُوا ؛) قال الزجّاج والفراء : (هذا دعاء عليهم أيضا) (١) ، والتأويل فلا آمنوا ، (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) (٨٨) ؛ يعني الغرق.
قوله تعالى : (قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما ؛) أي قال الله تعالى لموسى وهرون : قد أجبت دعوتكما ، وذلك أنّ موسى كان يدعو بالدّعاء المذكور في الآية ، وكان هرون يؤمّن على دعائه ، فسمّاها الله داعين ، قوله (فاستقيما) أي فاستقيما في دعاء الناس إلى الإيمان ، (وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٨٩) لأن سبيلهم كان الغيّ والضلال ، وخفّف ابن عبّاس (تتبعان) من تبع يتبع ، والنون الشديدة إنما دخلت مؤكّدة للنهي.
قوله : (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ ؛) يعني بحر القلزم وهو بقرب نيل مصر ، جعله الله لهم يبسا حتى جاوزوه ، (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً ؛) ليبغوا عليهم ، (وَعَدْواً ،) ويظلموهم. قوله : (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ ؛) حتى إذا ألجم فرعون الغرق من إيمان الإنجاء فلم ينفعه ذلك ، فلما ، (قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (٩٠) ؛ قال له جبريل : (آلْآنَ ؛) أي تؤمن عند الغرق ، (وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (٩١) ؛ بالكفر والمعاصي في وقت المهلة.
روي عن ابن عباس : (أنّ جبريل قال للنّبيّ صلىاللهعليهوسلم : لو رأيتني وفرعون يدعو بكلمة الإخلاص وأنا أدسّه في الماء والطّين لشدّة غضبي عليه مخافة أن يتوب فيتوب الله عليه؟ فقال النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : [يا جبريل وما شدّة غضبك؟] قال : يا محمّد لقوله أنا ربّكم الأعلى وهي كلمته الأخيرة ، وإنّما قالها حين انتهى إلى البحر ، وكلمته
__________________
(١) قاله الفراء في معاني القرآن : ج ١ ص ٤٧٧. والزجاج في معاني القرآن وإعرابه : ج ٣ ص ٢٦.