قوله تعالى : (وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ) ؛ أي كلّ حبّة تكون في الأرض حتى الحبّة التي تكون تحت الصخرة التي هي أسفل الأرضين يعلمها الله ، وقيل : أراد كلّ حبّة تكون في شقوق الأرض ممّا يخرج منها النبات. ومن قرأ (ولا حبّة) بالرفع فعلى الابتداء ؛ وخبره (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ).
وقوله تعالى : (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٥٩) ؛ أراد بالرّطب الماء والخضر ، وباليابس الحجر والمدر ، كلّ ذلك مكتوب في اللوح المحفوظ ؛ أثبت الله تعالى فيه كلّ ما يخلق قبل أن يخلقه ، كما قال تعالى : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها)(١).
واعلم : أنه قد أثبت ما خلق قبل خلقه. والرطب واليابس عبارة عن جميع الأشياء التي تكون في السّموات والأرض ؛ لأنّها تخلق من أحد هاتين الصّفتين. وعن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : [ما زرع على الأرض ولا ثمار على الأشجار ؛ إلّا عليها مكتوب : بسم الله الرّحمن الرّحيم ، رزق فلان بن فلان](٢).
فإن قيل : ما الفائدة في كون ذلك مكتوبا في اللّوح مع أنّ الله لا يخفى عليه شيء ؛ وأنه كان عالما بذلك قبل أن يخلقه وقبل أن يكتبه ؛ ولم يكتبها ليحفظها ويدريها. قيل : فائدته أن الحوادث إذا حدثت موافقة للمكتوب ، ازدادت الملائكة بذلك علما ويقينا بعظم صفات الله عزوجل (٣).
قوله عزوجل : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) ؛ معناه : هو الذي يقبضكم عن التصرّف بالنوم وما تصيرون في منامكم بالليل في قبضته لا تملكون لأنفسكم تصريفا في أموركم.
__________________
(١) الحديد / ٢٢.
(٢) في الدر المنثور : ج ٣ ص ٢٧٨ ؛ قال السيوطي : ((أخرجه الخطيب في تاريخه بسند ضعيف ... وذكره)). وأخرجه الخطيب في تاريخ بغداد : ج ٤ ص ٣٥٣ : ترجمة أحمد بن الخليل : الرقم (٢١٢٣). وذكره الشوكاني في الفوائد : ص ٣١٧.
(٣) كتب في هامش المخطوط : ((والجواب الشافي في ذلك : هو أن الله لا يسأل عما يفعل ، وإلا فعلم الملائكة ليس بأمر مهم ولازم ، والله أعلم)).