وإنّما لم يقل : سبيل المؤمنين ؛ لأن في الكلام ما يدلّ عليه ؛ لأن معناه ولتستبين سبيل المجرمين من سبيل المؤمنين. ويقرأ (وليستبين) بالياء ؛ لأن السبيل يذكّر ويؤنّث ، فتميم تذكّره ؛ وأهل الحجاز تؤنّثه.
ودليل التذكير قوله تعالى : (وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ بِهِ)(١) ولم يقل بها ، ودليل التأنيث قوله تعالى : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي)(٢) ولم يقل هذا سبيلي. وقرأ أهل المدينة : (سبيل) بالنصب على خطاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم ؛ معناه : ولتعرف يا محمّد سبيل المجرمين ؛ فالخطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم والمراد به عامّة المسلمين ؛ كأنه ولتستبينوا وتزدادوا معرفة بطريق المجرمين.
قوله تعالى : (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ؛) أي قل يا محمّد لعيينة وأصحابه : إنّي نهيت عن عبادة الذي تعبدون من الأصنام من دون الله ، (قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ ؛) فإنّكم قد عبدتموه وسألتموه طرد سلمان وبلال وأصحابهما عن طريق الهدى ، لا على طريق البيّنة والبرهان ، وقوله تعالى : (قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً ؛) أي قد ضللت إن عبدتها ؛ معناه إن فعلت ذلك فقد تركت سبيل الحق ، وسلكت غير سبيل الهدى.
وقرأ يحيى بن وتّاب وأبو رجاء : (قد ضللت) بكسر اللام ؛ وهما لغتان ؛ إلا أنّ الفتح أفصح ؛ لأنّها لغة أهل الحجاز. وقوله : (وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ؛) (٥٦) عطف على (ضَلَلْتُ ؛) أي إن أتّبع أهواءكم فما أنا من الذين سلكوا طريق الهدى.
وقوله عزوجل : (قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ؛) أي قل يا محمّد : إنّي على بصيرة وبيان من أمر ربي ؛ لا متّبع للهوى ، (وَكَذَّبْتُمْ بِهِ) أي بالبيان ، وإنّما ذكر الكناية لأن البيّنة والبيان بمعنى واحد. ويجوز أن يكون معناه : وكذبتم بما آتيتكم به ؛ وهو القرآن. ومعنى البيّنة : الدلالة بين الحقّ والباطل.
__________________
(١) الأعراف / ٨٦.
(٢) يوسف / ١٠٨.