وقيل : إنّ الله تعالى أمر نبيّه صلىاللهعليهوسلم أن يسلّم على المستضعفين إذا جاءوا إليه ، وإنّما أمره بأن يبدأهم بالسّلام مع أن العادة أن يسلّم على القاعد حتى ينبسط إليهم بالسّلام عليهم ؛ لئلّا يحتشموا من الانبساط إليه. قال عطاء : (نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وأبي عبيدة وبلال وسالم ومصعب بن عمير وحمزة وجعفر وعثمان ابن مضعون وعمّار بن ياسر) (١).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : (أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم رجال فقالوا : إنّا أصبنا ذنوبا عظيمة كبيرة ، فسكت عنهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله تعالى : (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٢).
واختلفوا في قوله : (سُوءاً بِجَهالَةٍ) قال مجاهد : (معناه : لا يعرف حلالا من حرام ، فمن جهالته ركب الأمر). وقيل : جاهل بما يورثه ذلك الذنب. وقيل : جهل حين آثر المعصية على الطاعة ، واللذة اليسيرة الفانية على الكثيرة الباقية الدائمة ، فعلى هذا يسمّى مرتكب المعصية جاهلا.
واختلف القرّاء في قوله تعالى : (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ) وقوله : (فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فكسرهما جميعا ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائيّ وخلف والأعمش على الاستئناف. ونصبهما الحسن وابن عامر وعاصم ويعقوب بدلا من الرحمة. وفتح نافع الأول على معنى : وكتب أنّه من عمل ، وكسر الثاني على الاستئناف.
قوله عزوجل : (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) ؛ أي نبيّن بيانا الأمر والنهي في القرآن من قبل ، وكذا نبيّن وننزّل الآيات متفرقة شيئا بعد شيء. وقوله تعالى : (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) (٥٥) ؛ معطوف على مضمر تقديره : ليظهر الحقّ من الباطل ولتستبين طريق المجرمين.
__________________
(١) ينظر : اللباب في علوم الكتاب : ج ٨ ص ١٧٤.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (١٠٣٥٦) عن ماهان بأسانيد. وفي الدر المنثور : ج ٣ ص ٢٧٦ ؛ قال السيوطي : ((أخرجه الفريابي وعبد بن حميد ومسدد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ماهان ... وذكره).