والفائدة في ذلك أن الأغنياء كانوا شاكّين في أن سبق الفقراء إلى الإيمان وصبرهم على طريقة الدّين ؛ هل يوجب أن تكون نعمة من الله عظيمة عليهم ، فأمرهم الله تعالى أن يستفهموا من الرسول صلىاللهعليهوسلم ما لأجله يقوم الفقراء بحضرة الرسول صلىاللهعليهوسلم واستحقّوا الإعظام ، فيظهر عند الاستفهام جواب النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ويكون في سماعهم لذلك مصلحة عظيمة توجب رضاهم بتقديم النبيّ صلىاللهعليهوسلم أهل الدين. قوله تعالى : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) (٥٣) ؛ استفهام بمعنى التحقيق على معنى أنّ الله أعلم بمن هو من أهل التوحيد والثّواب.
وقوله تعالى : (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥٤) ؛ اختلفوا فيمن نزلت هذه الآية ؛ فقال عكرمة : (نزلت في الّذين نهى الله نبيّه صلىاللهعليهوسلم عن طردهم ، وكان صلىاللهعليهوسلم إذا رآهم بدأهم بالسّلام وقال : [الحمد لله الّذي جعل في أمّتي من أمرني أن أبدأهم بالسّلام]) (١).
وقال ابن عبّاس والكلبيّ : (لمّا نزلت هذه الآية (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) الآية ، جاء عمر رضي الله عنه معتذرا من مقالته ؛ فأنزل الله تعالى : (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا) الّذين يصدّقون بمحمّد صلىاللهعليهوسلم والقرآن (فقل سلام عليكم) أي قبل الله معذرتهم وتوبتهم). ومعنى السّلام : السلامة من جميع الآفات.
__________________
(١) ينظر : الجامع لأحكام القرآن : ج ٦ ص ٤٣٥. وأخرجه الطبراني في الأوسط : الحديث (٨٨٦١) عن أبي سعيد الخدري بلفظ : [من أمرني بالصّبر معهم]. وأبو داود في السنن : كتاب العلم : باب في القصص : الحديث (٣٦٦٦) : بلفظ : عن أبي سعيد الخدري قال : جلست في عصابة من ضعفاء المهاجرين وإنّ بعضهم ليستتر ببعض من العري ، وقارئ يقرأ علينا ، إذ جاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقام علينا ، فلمّا قام رسول الله صلىاللهعليهوسلم سكت القارئ ، فسلّم ، ثمّ قال : [ما كنتم تصنعون؟] قلنا : يا رسول الله ، إنّه كان قارئ لنا يقرأ علينا ، فكنّا نستمع إلى كتاب الله ، قال : فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [الحمد لله الّذي جعل من أمّتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم] قال : فجلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم وسطنا ليعدل بنفسه فينا ، ثمّ قال بيده هكذا ، فتحلّقوا ، وبرزت وجوههم له ، قال : فما رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عرف منهم أحدا غيري ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [أبشروا يا معشر صعاليك المهاجرين بالنّور التّام يوم القيامة ، تدخلون الجنّة قبل أغنياء النّاس بنصف يوم ، وذاك خمسمائة سنة].