يطرد عنه موالينا ؛ فإنّما هم عبيدنا وعتقاؤنا ، كان أعظم في صدورنا وأطوع لله عندنا ، وأدنى لاتّباعنا إيّاه وتصديقنا. فأتى أبو طالب إلى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ؛ فحدّثه بالّذي كلّموه.
فقال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه : لو فعلت ذلك يا رسول الله ؛ حتّى تنظر ما الّذي يريدون ؛ وإلى ما يضمرون من قولهم. فأنزل الله تعالى هذه الآية : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ)(١). قال ابن عبّاس : (يعبدون ربّهم بالصّلاة المكتوبة (بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ) يعني صلاة الصّبح وصلاة العصر) (٢).
قوله تعالى : (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا ؛) قال ابن عبّاس : معناه : (وكذلك ابتلينا (بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ): العربيّ بالموالي ؛ والغنيّ بالفقير ؛ والشّريف بالوضيع ؛ ليقول الأغنياء والأشراف مثل عيينة بن حصين الّذي دخل على النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وقال له : لو طردت هؤلاء السّفلة ، ومثل أصحابه ؛ كانوا يقولون : هؤلاء ـ يعنون سلمان وأصحابه ـ منّ الله عليهم بالمغفرة والإسلام من بيننا) (٣). وقال الكلبيّ : (هو أنّ الشّريف إذا نظر إلى الوضيع قد أسلم قبله استنكف أن يسلم ، وقال : قد سبقني هذا بالإسلام ؛ فلا يسلم).
ومعنى (اللام) في قوله : (ليَقُولُوا) لام العاقبة ؛ ومعناه : ليكون عاقبة أمرهما ؛ قال الأغنياء والأشراف : أهؤلاء المستضعفون فضّلهم الله علينا. ونظير هذه اللّام في هذه الآية قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً)(٤) ، ومعلوم أنّهم لم يلتقطوه لأجل أن يكون لهم عدوّا وحزنا ، ولكن عاقبة التقاطهم إياه أن صار لهم عدوّا وحزنا.
وقال بعضهم : اللام في قوله : (ليَقُولُوا) معناها الاستفهام ؛ أي ليقول بعضهم لبعض استفهاما لا إنكارا : أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا بالإيمان.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٠٣٣٣).
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٠٣٣٥) ، والأثر (١٠٣٤٢) عن قتادة ، والأثر (١٠٣٤٣) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٠٣٤٩).
(٤) القصص / ٨.