فلمّا رجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة أخبره عامر بن قيس بما قال الجلّاس ، فقال الجلّاس : يكذب عليّ يا رسول الله! فأمرهما رسول الله أن يحلفان على المنبر ، فحلفا جميعا ، فرفع عامر بن قيس يده إلى السّماء ، فقال : اللهمّ أنزل على نبيّك وبيّن الصّادق ، فقال صلىاللهعليهوسلم : [آمين] فأنزل الله هذه الآية) (١). ومعناها : يحلفان المنافقون بالله ما تكلّموا بكلمة الكفر ولقد تكلّموا بها وأظهروا الكفر بعد إظهارهم الإسلام. وقيل : كفروا بقولهم ذلك بعد ما كانوا أسلموا على زعمهم.
قوله تعالى : (وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا ؛) أي قصدوا إلى ما لم يصلوا إلى ذلك ، والهمّ بالشّيء في اللّغة : مقاربته دون الوقوع فيه ، قيل : إنّهم كانوا همّوا بقتل الذي أنكر عليهم قولهم. وقيل : معنى الآية : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم خرج إلى غزوة بني المصطلق ، وقد جمعوا له ليقاتلوا ، فالتقوا على مائهم فهزمهم الله وسبى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبناءهم ونساءهم ورجع ، فلما نزل منزلا في الطريق اختصم رجل من أصحاب عبد الله بن أبيّ ورجل من المخلصين غفّاري يقال له جهجاه ، فلطم الغفاريّ صاحب عبد الله بن أبي ، فغضب عبد الله وقال : ما صحبنا محمّدا إلّا لتلطم ، ثم نظر إلى أصحابه قال : لقد أمرتكم أن تكفّوا طعامكم عن هذا الرجل ومن معه حتى يتفرّقوا فلم يفعلوا ، والله لئن رجعنا الى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ ، فقال الغفاريّ : أتقول مثل هذا؟! والله لئن شئت لألطمنّك ، قال عبد الله : سمّن كلبك يأكلك! فقال زيد بن أرقم وكان غلاما حديث السنّ : يا عدوّ الله وعدوّ رسوله ، أتقول هذا؟! والله لأبلّغنّ رسول الله ما قلت.
ثم انطلق إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم وأعلمه وعنده عمر رضي الله عنه ، فقال عمر : يا رسول الله مر عبّاد بن قشّ فيقتله ، فقال : [يا عمر إذا يحدّث النّاس أنّ محمّدا يقتل أصحابه] فبلغ عبد الله بن أبي ما قال زيد بن أرقم ، فمشى إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم ومعه أشراف الأنصار يصدّقونه ويكذّبون زيدا ويقولون : يخشى أن يكون زيد قد وهم ، وكان أبن أبيّ يحلف بالله ما قال ذلك ، فقال أسيد : يا رسول الله ارفق بعبد الله ، فو الله لقد جاء الله
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (١٣١٩٠ و ١٣١٩١).