قوله تعالى : (الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ؛) أي بعضهم مضاف إلى بعضهم لاجتماعهم على الشّرك والاستهزاء بالمسلمين ، كما يقال : أنا من فلان وفلان منّي ؛ أي أمرنا واحد وكلمتنا واحدة. قوله تعالى : (يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ ؛) أي بالكفر والمعاصي ، (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ ؛) أي عن الإيمان والطاعة. وقوله تعالى : (وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ؛) قال الحسن ومجاهد : (أي يمسكونها عن النّفقة في الجهاد) ، وقيل : عن الزّكوات المفروضة ، وقال قتادة : (عن الخيرات كلّها).
قوله تعالى : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ ؛) أي تركوا أمر الله وأعرضوا عنه حتى صار كالمنسيّ عندهم بإعراضهم عنه ، فتركهم الله من رحمته حتى صاروا كالمنسيّين عنده ، وإن كان النّسيان مما لا يجوز على الله إلّا أنه قال (فنسيهم) لمزاوجة الكلام ، كما في قوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ)(١) ، قال تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها)(٢) ، وقوله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٦٧) ؛ أي هم المتمرّدون في الكفر والفسق وفي كلّ شيء ، والمتمرّد فيه وإن كان النفاق أعظم من الفسق.
وقوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها ؛) في الآية جمع بين المنافقين وبين الكفّار في التسمية ، وإن كان المنافقون هم الكفار ؛ لتكون الآية دالّة على أنّ المنافقين يلحقهم الوعيد من جهتين ، من جهة الكفر والنّفاق.
وجهنّم من أسماء النار يقول العرب للبئر البعيدة القعر : جهنام ، فيجوز أن تكون جهنّم مأخوذة من هذه اللّفظة لبعد قعرها. وقوله تعالى : (هِيَ حَسْبُهُمْ ؛) أي كفايتهم على ذنوبهم ؛ لأن فيها جزاء أعمالهم. قوله تعالى : (وَلَعَنَهُمُ اللهُ ؛) أي أبعدهم من الثواب والمدح في الدّنيا ، وعن الثواب والرحمة في الآخرة ، (وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) (٦٨) ؛ أي عذاب دائم.
__________________
(١) البقرة / ١٩٤.
(٢) الشورى / ٤٠.