قوله تعالى : (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً ؛) أي وعد الله أهل زمانكم على الكفر والنّفاق نار جهنّم ، كما وعد الذين من قبلكم كانوا أشدّ منكم قوّة في البدن وأكثر أموالا وأولادا ، (فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ ،) فانتفعوا بنصيبهم وحظّهم في الدّنيا ، ولم ينفعهم ذلك حين نزل بهم عذاب الله ، فكذلك أنتم ، والخلاق هو النصيب من الخير.
وقوله تعالى : (فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ ؛) أي فاستمتعتم أنتم بنصيبكم من الدّنيا وخضتم فيها ، (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا ؛) أي خضتم في الكفر والاستهزاء بالمؤمنين كما خاض الأوّلون.
وقوله تعالى : (أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ ؛) أي أهل هذه الصّفة حبطت أعمالهم التي عملوها على جهة البرّ مثل الإنفاق في وجوه الخير ومثل صلة الرّحم حبطت ، (فِي الدُّنْيا ؛) حتى لا يستحقّوا بها الإكرام والتعظيم في الدّنيا ، و ، حبطت في ، (وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٦٩) ؛ الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ، والخسران هو ذهاب رأس المال من دون أصله.
قوله تعالى : (أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ ؛) معناه : ألم يأت المنافقين والكفار خبر من قبلهم كيف أهلكهم الله عزوجل حين تمرّدوا في الكفر ، واستهزأوا بالمؤمنين وهم قوم نوح ، أهلكهم الله بالغرق ، وعاد قوم هود أهلكهم الله بالريح ، وثمود أهلكهم الله بالصّيحة والرّجفة وهم قوم صالح ، وقوم إبراهيم أهلكهم الله نمرودهم بالبعوض وسائر قومه بالهدم ، وأصحاب مدين قوم شعيب أهلكهم الله بالصّيحة وعذاب الظّلّة ، ومدين بئر مدين بن إبراهيم نسبت القرية إليه.
قوله تعالى : (وَالْمُؤْتَفِكاتِ ؛) أي المنقلبات وهي قريات قوم لوط أهلكهم الله بالخسف ، وقلب مدائنهم عليهم. ويقال : أراد بالمؤتفكات كلّ من انقلب أمرهم عليهم من الخير إلى الشرّ. يقال : الهالك انقلبت عليه الدّنيا. قوله تعالى : (أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ ؛) أي بالحجج والبراهين ، (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٧٠) ؛ أي لمّا كذبوا الرّسل وكفروا