فنزل جبريل عليهالسلام على النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وأخبره بما يقولون ، فدعا عليهالسلام عمّارا وقال : [إنّهم يتحدّثون بكذا وكذا ، ولئن سألتهم ليقولنّ : إنّما كنّا نخوض ونلعب ، إنطلق إليهم واسألهم عمّا يتحدّثون ، وقل لهم : أحرقتم أحرقكم الله] ففعل ذلك عمّار ، فجاؤا إلى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم يعتذرون ويقولون : كنّا نخوض ونلعب فيما يخوض فيه الرّكب إذا سار. فأنزل الله هاتين الآيتين.
وعن الحسن وقتادة : (أنّهم كانوا في غزوة تبوك ، فقالوا : أيطمع هذا الرّجل أن يفتح له قصور الشّام؟ هيهات ما أبعده عن ذلك! فأطلع نبيّه على ذلك) (١). قوله تعالى : (قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ) (٦٥) ؛ منه ألف استفهام ، معناه : النّيّة لهم على ما كانوا يفعلونه.
وقوله تعالى : (لا تَعْتَذِرُوا ؛) أي لا تعتذرون عن مقالتكم ، (قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ ؛) أي قد أظهرتم الكفر بعد إظهاركم الإيمان ، فإنّهم قطّ لم يكونوا مؤمنين ، ولكن كانوا منافقين.
قوله تعالى : (إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً ؛) وفيه قراء تان ، هذه بالضّمّ على ما لم يسمّ فاعله ، والثانية : (إن نعف عن طائفة منكم نعذّب طائفة) بالنصب ، قال ابن عبّاس : (معناه : إن يعف عن الرّجل الّذي لم يتكلّم بشيء ولكنّه يضحك وهو مخشيّ بن حميّر (٢) ، يعذّب الرّجلان اللّذان كانا يتكلّمان بالهمز) (٣)(بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) (٦٦) ؛ أي كافرين في السّرّ ، وكلّ معصية جرم إلّا أنّه أراد بالجرم ههنا الكفر.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٣١٥٣) عن قتادة.
(٢) ينظر : معالم التنزيل : ص ٥٦٩. وفي المخطوط صحف الناسخ الاسم فقال : (جهين بن حميد). ترجم له ابن عبد البر في التمهيد : ج ٣ ص ٤٣٧ : الرقم (٢٣٧٩) ، وقال : (مخشي بن حمير الأشجعي حليف لبني سلمة من الأنصار ، كان من المنافقين ، وسار مع النبي صلىاللهعليهوسلم إلى تبوك حين أرجفوا برسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، ثم تاب وحسنت توبته ، وسمي عبد الرحمن ، وسأل الله أن يقتله شهيدا ، لا يعلم مكانه ، فقتل يوم اليمامة ، فلم يوجد له أثر).
(٣) أخرجه أبو حاتم الرازي في التفسير : الأثر (١٠٤٠٣) مختصرا. والطبري في جامع البيان : الأثر (١٣١٥٦) عن ابن إسحق وسماه. ينظر : السيرة النبوية لابن هشام : ج ٤ ص ١٦٨.