قوله تعالى : (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ؛) هم قوم كان يعطيهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم يتألّفهم على الإسلام ، كانوا رؤساء في كلّ قبيلة ، منهم أبو سفيان بن حرب من بني أميّة ، والأقرع بن حابس ، وعقبة بن حصن الفزّاري وغيرهما من بني عامر بن لؤي ، والحارث بن هشام المخزوميّ ، وسهيل بن عمرو الجمحيّ من بني أسد ، والعباس بن المرداس من بني سليم ، فلما توفّي رسول الله صلىاللهعليهوسلم جاء المؤلّفة قلوبهم إلى أبي بكر وطلبوا منه سهمهم ، فأمرهم أن يكتبوا كتابا ، فجاؤا بالكتاب إلى عمر رضي الله عنه ليشهد ، فقال عمر : إيش هذا؟ قالوا : سهمنا ، فقال عمر رضي الله عنه : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ)(١) إنّ الإسلام أجلّ أن يرسى عليه. ثم أخذ عمر كتابهم ومزّقه وقال : إنّما كان النّبيّ يعطيكم يتألّفكم على الإسلام (٢) ، فاليوم فقد أعزّ الله الإسلام ، فإن ثبتّم على الإسلام وإلّا فبيننا وبينكم السّيف. فرجعوا إلى أبي بكر وقالوا : أنت الخليفة أم هو؟! فقال : هو إن شاء! فبطل سهمهم.
قوله تعالى : (وَفِي الرِّقابِ ؛) معناه عند أكثر الناس في فكاك الرّقاب وهم المكاتبون ، وذهب مالك إلى أنّهم رقاب يبتاعون من الزّكاة ويعتقون ، فيكون ولاؤهم لجميع المسلمين دون المعتقين ، قال : (ولا يعطى المكاتب من الزّكاة ولا من الكفّارات شيئا).
وقد روي أنّ رجلا جاء إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : علّمني عملا يدخلني الجنّة؟ قال : [فكّ الرّقبة وأعتق النّسمة] قال : أوليسا سواء؟ قال : [لا ؛ فكّ الرّقبة أن تعين في عتقها](٣) ، فاقتضى قوله تعالى (وَفِي الرِّقابِ) المعوضة في العتق.
قوله تعالى : (وَالْغارِمِينَ ؛) يعني المديونين الذين لا يكون لهم فضل نصاب على الدّين ؛ لأنّ المال وإن كان في أيديهم فهو مستحقّ أيديهم ، وقال مجاهد
__________________
(١) الكهف / ٢٩.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير : الأثر (١٠٣٧٦). والطبري في جامع البيان : الأثر (١٣١٠٧) مختصرا.
(٣) أخرجه الدارقطني في السنن : كتاب الزكاة : باب الحث على إخراج الصدقة : ج ٢ ص ١٣٥ :
الحديث (١). وفي موارد الضمآن إلى زوائد ابن حبان : الحديث (١٢٠٩) وإسناده صحيح. وفي مجمع الزوائد : ج ٤ ص ٢٤٠ ؛ قال الهيثمي : ((رواه الإمام ورجاله ثقات)). وأخرجه الإمام أحمد في المسند : ج ٤ ص ٢٩٩.