فعلى هذا المسكين أفقر من الفقير ، ومن الدليل على ذلك أنّ الله قال : (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) ثم قال : (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ)(١) ، ومعلوم أن الجاهل بحال الفقير لا يحسبه غنيّا إلّا وله ظاهر جميل ويده حسنة ، وقال تعالى : (أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ)(٢). قيل في التفسير : الذي قد لصق بالتّراب وهو جائع عار ليس بينه وبين التراب شيء يقيه. وقال أبو العبّاس ثعلب : (حكي عن بعض أهل اللّغة أنّه قال : قلت لأعرابيّ : أفقير أنت؟ قال : لا ؛ بل مسكين. وأنشد الأعرابيّ :
أمّا الفقير الّتي كانت حلوبته |
|
وفق العيال فلم يترك له سبد (٣) |
فسمّاه فقيرا مع وجود الحلوبة) (٤). وقال محمّد بن مسلمة : (الفقير الّذي لا ملك له) قال : (وكلّ شيء محتاج إلى شيء فهو مفتقر إليه) ، واحتجّ من قال : إن الفقير أفقر من المسكين بقوله تعالى : (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ)(٥) فأضاف السفينة إليهم ، وهذا لا دلالة فيه لأنه روي أنّهم كانوا فيها أجراء.
قوله تعالى : (وَالْعامِلِينَ عَلَيْها ،) يعني السّعاة الذين يجلبون الصّدقة ، ويتولّون قبضها من أهلها ، يعطون منها سواء كانوا أغنياء أم فقراء ، واختلفوا في قدر ما يعطون ، قال الضحّاك : (يعطون الثّمن من الصّدقة) (٦) ، وقال مجاهد : (يأكل العمّال من السّهم الثّامن) (٧) ، وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : (يعطون على قدر عمالتهم) (٨) ، وقال الأعمش : (يعطون بقدر أجور أمثالهم وإن كان أكثر من الثّمن) ، وقال مالك وأهل العراق : (إنّما ذلك للإمام واجتهاده يعطيهم الإمام قدر ما رأى) ، وعن ابن عمر : (يعطون بقدر عملهم) ، وعند الشافعيّ : (يعطون ثمن الصّدقات).
__________________
(١) البقرة / ٢٧٣.
(٢) البلد / ١٦.
(٣) السّبد : الوبر ، وقيل : الشّعر ، والعرب تقول : ما له سبد ولا لبد ، أي ما له ذو وبر ولا صوف متلبد ، ويكنى بهما عن الإبل والغنم.
(٤) ينظر : لسان العرب : مادة (فقر) : ج ١٠ ص ٢٩٩. ونقله المنذري عن ابن فهم ؛ ينظر : تهذيب اللغة للأزهري : ج ٩ ص ١٠٣ : مادة (فقر.
(٥) الكهف / ٧٩.
(٦) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٣٠٩٢).
(٧) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٣٠٩٣).
(٨) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٣٠٩٤).