وقوله تعالى : (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى ؛) أي متثاقلون لأنّهم لا يرجون بأدائها ثوابا ولا يخافون بتركها عقابا ، والمعنى أنّهم يصلّون مراءاة الناس ، (وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ) (٥٤) ؛ وكذلك ينفقون في الزكاة وغيرها لأجل التّستّر بالإسلام ، لا لابتغاء ثواب الله. وكسالى جمع كسلان كما يقال سكارى وسكران.
قوله تعالى : (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ ؛) أي لا تعجبك يا محمّد كثرة أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدّنيا ، (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ؛) وفي الآخرة ، قال الحسن : (لا تسرّك أموالهم ولا أولادهم ، إنّما يريد الله ليشدّد عليهم في التّكليف بأن يأمرهم بالإنفاق في الزّكاة والغزو وما شاكل ذلك من المكاره الّتي تشقّ عليهم ؛ لأنّهم لا يرجون بذلك ثوابا في الآخرة ، ويكونون معذّبين بالإنفاق إذ كانوا ينفقونها على كره منهم). وقيل : أراد بقوله (لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) أي ما ينالهم من المصائب في أموالهم لا تكون كفّارة لذنوبهم. قوله تعالى : (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ ؛) أي تخرج أنفسهم على الكفر. قوله تعالى : (وَهُمْ كافِرُونَ) (٥٥) ؛ أي في حال كونهم كافرين. والزّهق خروج الشيء بصعوبة وأصله الهلاك.
قوله تعالى : (وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ ؛) معناه : أنّ هؤلاء المنافقين يحلفون للمؤمنين أنّهم على دينهم ، يقول الله تعالى : (وَما هُمْ مِنْكُمْ) أي ليسوا على دينكم ، (وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) (٥٦) ؛ أي يخافون من المسلمين ، فأظهروا الإسلام وأسرّوا النفاق.
قوله تعالى : (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ) (٥٧) ؛ معناه : لو يجدون حرزا يلجأون إليه ويتحصّنون فيه ، أو غيرانا في الجبال أو سربا في الأرض ، أو قوما يمكنهم الدخول فيما بينهم يحفظونهم عنكم ، لصبوا إليهم وهم يجمحون ؛ أي يسبقون ويسرعون إسراعا لا يردّ وجوههم بشيء. يقال : فرس جموح إذا ذهب في عدوه لم يرده اللّجام ، قال عطاء في معنى قوله لو