ويستبدل قوما غيركم أي أطوع لله منكم ، (وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً ؛) أي ولا تنقصوا من ملكه شيئا بقعودكم عن الجهاد ، (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ ؛) من العذاب والإبدال ، (قَدِيرٌ) (٣٩).
قوله تعالى : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ ؛) وذلك أنّ كفار مكّة لمّا أرادوا قتل النبيّ صلىاللهعليهوسلم أخبره جبريل بذلك وأمره بالخروج ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم لعليّ كرّم الله وجهه : [نم مكاني على الفراش] وخرج مع أبي بكر رضي الله عنه إلى غار جبل ثور ـ وهو جبل بأسفل مكّة ـ ومشى رسول الله صلىاللهعليهوسلم على أطراف أصابعه حتى حفيت ، فلمّا رآه أبو بكر رضي الله عنه وجعل يستند به حتى أتى فم الغار ، وكان الغار مقرونا بالهوامّ ، فلما أراد رسول الله صلىاللهعليهوسلم دخول الغار قال له أبو بكر رضي الله عنه : مكانك يا رسول الله حتّى أستبرئ الغار. فدخل واستبرأه وجعل يسوّي الجحرة بثيابه خشية أن يخرج منها شيء يؤذي رسول الله صلىاللهعليهوسلم فبقي جحران فوضع عقبه عليهما ثم قال : إنزل يا رسول الله ، فنزل فكانا في الغار ليلتهما.
فدخل الكفّار على عليّ رضي الله عنه فقالوا له : يا عليّ أين محمّد؟ فقال : لا أدري أين ذهب ، فطلبوه من الغد واستأجروا رجلا يقال له كرز بن علقمة الجرّاح ، فقفا لهما الأثر حتى انتهى بهم إلى جبل ثور ، فقال : انتهينا إلى هنا وهذا أثره فما أدري أين أخذ يمينا أو شمالا أو صعد الجبل ، فصعدوا الجبل يطلبونه ، وأعمى الله عليهم مكانه فلم يهتدوا إليه.
فقام رجل منهم يبول مستقبلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأبا بكر بعورته ، فقال أبو بكر : يا رسول الله ما أراه إلّا قد أبصرنا ، فقال صلىاللهعليهوسلم [لو أبصرنا ما يستقبلنا بعورته]. وأقبل شباب قريش من كلّ بطن ، معهم عصيّهم وقسيّهم حتى رأوا باب الغار ، وكان صلىاللهعليهوسلم مرّ على ثمامة وهي شجرة صغيرة ضعيفة فأمر أبا بكر أن يأخذها معه ، فلما سار إلى باب الغار أمره أن يجعلها على باب الغار ، وألهم الله العنكبوت فنسجت حتى سترت وجه النبيّ صلىاللهعليهوسلم وصاحبه ، وبعث الله حمامتين وحشيّتين فأقبلتا حتى وقعتا على باب الغار بين العنكبوت وبين الشجرة ، فلما رأى المشركون الشجرة والحمامة ونسج العنكبوت علموا أن ليس في الغار أحد ، وكان أبو بكر يقول : يا