رسول الله قد أتينا وما أنا إلّا رجل واحد ، فإن قتلت أنت تهلك هذه الأمّة فلا يعبد الله بعد هذا اليوم ، فقال : [لا تحزن يا أبا بكر إنّ الله معنا].
ثم نزل المشركون من الجبل ، ولم يقدروا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فمكث رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالغار ثلاثة أيّام ولياليهنّ ، وكان عبد الله بن أبي بكر يأتيهما بأخبار أهل مكّة ، فلما أمنا طلب «القوم» وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمر بالهجرة إلى المدينة ، فاستأجر رجلا يقال له عبد الله بن أريقط يهديهم الطريق إلى المدينة فخرج بهما إلى المدينة ، فسمع سراقة بن مالك بن مقسم الكناني بخروجه إلى المدينة ، فلبس لامته وركب فرسه يتّبع آثارهم حتى أدرك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فدعا عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فساخت قوائم فرسه ، فقال : يا محمّد أدع الله أن يطلق عليّ فرسي فأردّ عنك من أرى من النّاس ، فقال صلىاللهعليهوسلم : [اللهمّ إن كان صادقا فأطلق فرسه] فرجع سراقة وقدم أبو بكر رضي الله عنه مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم حتى أتيا المدينة. هكذا روي وفي هذا قصّة طويلة (١).
ومعنى الآية : ألّا تنصروا محمّدا صلىاللهعليهوسلم في الخروج معه إلى تبوك فالله ينصره كما نصره إذ أخرجه الكفار من مكّة وهو ثاني اثنين ؛ أي لم يكن معهما غيرهما ، وقوله تعالى (ثانِيَ اثْنَيْنِ) نصب على الحال ؛ أي وهو أحد اثنين. وقوله تعالى : (إِذْ هُما فِي الْغارِ ؛) أراد به غار ثور حين خرجا إليه. والغار النّقب الذي يكون في الجبل ، وقوله تعالى : (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا ؛) معناه : إذا يقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأبي بكر : لا تحزن على قتلي وذهاب الإسلام إنّ الله يحفظنا ويدفع شرّ المشركين عنّا.
قوله تعالى : (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ؛) أي أنزل طمأنينة على رسوله حتى سكن واطمأنّ. ويقال : أنزل سكينته على صاحبه أبي بكر رضي الله عنه ، فإنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان لنا سكنا ، وقوله تعالى : (وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها ؛) معناه : أعان محمّدا صلىاللهعليهوسلم وقوّاه يوم بدر والأحزاب وحنين بجنود لم تعاينوها وهم الملائكة.
__________________
(١) ينظر : الجامع لأحكام القرآن : ج ٨ ص ١٤٣ ـ ١٤٦. والمحرر الوجيز : ص ٨٤٦ ـ ٨٤٧. وجامع البيان : تفسير الآية : الآثار (١٢٩٩٥ ـ ١٣٠٠). وأصلها في الصحيح عند البخاري : كتاب فضائل الصحابة ، وصحيح مسلم ، والجامع الترمذي ، وفي السيرة النبوية.