وفي باب الجهاد دليلا تقديرا آخر أن أحد الجهاد داخل تحت قوله : (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) وكان الله تعالى ميّز الجهاد من الظلم الذي هو إقدام على النّفوس والأموال ، وقوله تعالى : (كَافَّةً) منصوب على الحال.
قال قتادة وعطاء : (كان القتال كثيرا في الأشهر الحرم ، ثمّ نسخ وأحلّ فيه بقوله : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) يعني فيهنّ وفي غيرهنّ). وقال الزهريّ : (كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحرّم القتال في الأشهر الحرم ، ممّا أنزل الله من تحريم ذلك حتّى نزلت براءة ، وأحلّ قتال المشركين) (١).
وقال سفيان الثوريّ لمّا سئل عن القتال في الأشهر الحرم ، قال : (لا بأس بالقتال فيهنّ وفي غيرهنّ ؛ لأنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم غزا هوازن وحنينا وثقيفا بالطّائف وحاصرهم في الشّوّال وبعض ذي القعدة ، فدلّ على أنّ حرمة القتال فيها منسوخ) (٢).
قوله تعالى : (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً ؛) أي إنّما تأخير الشّهر الحرام من المحرّم إلى صفر ، واستباحة المحرّم زيادة في الكفر يغلط ويخطئ بالنّساء سائر الكفّار ، ومن قرأ (يضل) صفر مكان المحرّم ، ويحرّمون المحرّم عاما فلا يقاتلون فيه ، ثم يقاتلون في صفر ، (لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ ؛) أي ليوافقوا في العدد أربعة أشهر ، وكانوا يقولون : هذه أربعة بمنزلة أربعة. والمواطأة الموافقة ، وأصل النّسيء الحاضر ومنه بيع النّسيئة ، ومنه أنسأ الله في أجل فلان ، ومنه المنسأة وهي العصا يرجو بها ويؤخّر.
قرأ قتادة ومجاهد وأبو عمرو ونافع غير ورش (٣) وعاصم وحمزة والكسائي وخلف وابن عامر (النّسيء) بالمدّ والهمزة وهو مصدر كالسّعير والحريق ونحوهما ،
__________________
(١) نقله القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ٨ ص ١٣٤ عن قتادة وعطاء والزهري.
(٢) ينظر : الجامع لأحكام القرآن : ج ٨ ص ١٣٤.
(٣) في الجامع لأحكام القرآن : ج ٨ ص ١٣٦ ؛ قال القرطبي : (قال النحاس : ولم يرو أحد عن نافع فيما علمناه (إنّما النّسيّ) بلا همز إلا ورش وحده). قاله النحاس في إعراب القرآن : ج ٢ ص ١١٧.