قوله تعالى : (مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ؛) واحد فرد وهو رجب وثلاثة سرد (١) متتابعة ، وهي ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم ، سماها حرما لعظم انتهاك حرمتها ، كما خصّ الحرم بمثل ذلك ، وكانت العرب تعظّمها وتحرّم القتال فيها حتى أن الرجل لو لقي قاتل أبيه أو أخيه فيها لم يهجه.
قوله تعالى : (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ؛) أي في أشهر الحرم بالعمل بالمعصية وترك الطاعة. وقيل : باستحلال القتل والغارة. وقيل : معناه : ولا تجعلوا حلالها حراما ، ولا حرامها حلالا ، والذنب والظلم فيهن أعظم من الظلم فيما سواهنّ. ويقال : معناه : فلا تظلموا في الاثني عشر الشهر أنفسكم. قوله تعالى : (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) أي ذلك الحساب المستقيم.
قوله تعالى : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) ويجوز أن يكون الكافّة راجعة إلى المسلمين ؛ أي قاتلوا جميعا ، قوله تعالى : (كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) أي كما يقاتلونكم أي جميعا. قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (٣٦) ؛ أي معهم بالنّصرة.
واختلف العلماء في حرمة القتال في الأشهر الحرم ، فقال بعضهم : لا يجوز القتال فيها والغارة لأن الله سمّاها حرما فيكون قوله تعالى : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) دليلا على جواز القتال فيها على وجه الدّفع.
وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن القتال فيها جائز ، والمراد بقوله : (مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) تعظيم انتهاك حرمتها بالظلم والفساد فيها ، وتعظيم ثواب الطاعة التي يفعل فيها. قوله تعالى : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) يدلّ على أنّ الله أخرج هذه الأشهر الحرم من أن تكون حرما.
__________________
(١) في المخطوط : (سرادى). والسّرد : الثقب ، وفلان يسرد الحديث : إذا كان جيّد السياق له. وسردها : نسجها ؛ وهو تداخل حلقات الدرع بعضها ببعض. وقولهم في الأشهر الحرم : ثلاثة سرد ؛ أي متتابعة ، وهي ذو الحجة وذو القعدة والمحرم ، وواحد فرد هو رجب. مختار الصحاح : (سرد).