وقد قطع الله دابر المعاندين من أهل مكّة يوم بدر كما قطع دابر المكذبين قبلهم. وعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : [إذا رأيت الله تعالى يعطي عبدا في الدّنيا على معصيته ما يحبّ ؛ فإنّ ذلك منه استدراج ، ثمّ قرأ صلىاللهعليهوسلم : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) الآية](١).
قوله عزوجل : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ ؛) أي قل يا محمّد لكفّار مكة : إن سلب الله سمعكم وأبصاركم التي هي أشرف ما قبلكم من الأعضاء ، وختم على قلوبكم ؛ فإن سلب عقولكم حتى لا تفهموا بها فعاقبكم بذلك على تكذيبكم الرسل ؛ هل من إله غير الله يردّ عليكم ما سلبه الله تعالى؟ وهل يقدر على ذلك غيره؟ (انْظُرْ) ؛ يا محمّد ؛ (كَيْفَ نُصَرِّفُ) ؛ نبيّن لهم ؛ (الْآياتِ ؛) في القرآن ؛ ونخوّفهم بها ؛ (ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) (٤٦) ؛ أي يعرضون عما وضح لهم مكذّبين به ، لا تتحرك أفئدتهم. والتصريف توجيه المعنى في الجهات تظهره أتمّ الإظهار.
قوله عزوجل : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً ؛) أي أرأيتم إن أتاكم وهذا حالكم في الإصرار على الكفر عذاب الله فجأة وعلانية ؛ نهارا جهارا ، (هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) (٤٧) ؛ إلا أنتم وما أشبهكم ؛ لأنكم كفرتم معاندين ، فقد علمتم أنكم ظالمون. وإنّما قابل البغتة بالجهرة وإن كان ضدّ الجهرة الخفية ؛ لأن ما يأتي فجأة فإنّما يأتي خفية.
قوله تعالى : (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) ؛ أي ليس على الرسل أن يأتوا الناس بما يقترحون عليهم من الآيات ، إنّما نرسلهم بالتبشير بالجنّة للمطيعين ؛ والتحذير بالنار للكافرين ، (فَمَنْ آمَنَ) ؛ بالرسل والكتب ؛ (وَأَصْلَحَ) ؛ العمل فيما بينه وبين ربه ؛ فأقام على إيمانه وتوبته ؛ (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) ؛ حين يخاف أهل النار ، (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٤٨) ؛ إذا حزنوا.
__________________
(١) عن عقبة بن عامر ؛ أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (١٠٣١٥) بإسنادين. والطبراني في الأوسط : الحديث (٩٢٦٨). وفي مجمع الزوائد : ج ٧ ص ٢٣ ؛ قال الهيثمي :«رواه أحمد والطبراني» وسكت عنه. والبيهقي في شعب الإيمان : باب في تعديد نعم الله : الحديث (٤٥٤٠).