يبست وجفّت قلوبهم ؛ فأقاموا على كفرهم ؛ إذ لم يكن في قلوبهم رقة ، ولا خوف من الله تعالى ، (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ؛) أي حسّن لهم ، (ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٤٣) ؛ في كفرهم ؛ بأن أغواهم ودعاهم إلى اللّذة والراحة دون التّفكّر والتدبّر ببيان الحقّ من الباطل.
قوله تعالى : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ ؛) أي فلمّا تركوا ما وعظوا به وأمروا به (فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) ممّا كان مغلقا عليهم من الخير والرّزق والخصب والمطر. وأخصبت بلادهم وكثر خيرهم ، (حَتَّى إِذا فَرِحُوا) ؛ أعجبوا ؛ (بِما أُوتُوا ؛) أي بما أعطوا من النّعم والسّعة والصّحّة ؛ (أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً) ؛ أي فجأة بالعذاب بعد أن ابتليناهم في النعمة والشدّة ؛ فلم يزدادوا إلا كفرا ، (فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) (٤٤) ؛ أي فإذا هم عند نزول العذاب بهم آيسون من كلّ خير ؛ متحسّرون غاية الحسرة. والمبلس : البائس الحزين الشّديد الحسرة ، ويقال : هو المنقطع عن الحجّة.
فإن قيل : لم أنعم الله عليهم حين نسوا ما ذكّروا به ؛ وهذا موضع العقوبة دون الإنعام؟ قيل فيه قولان : أحدهما : أنه أنعم عليهم بالدعاء لهم إلى الطاعة ، فإن الدعاء إلى الطاعة تارة يكون بالعنف والتشديد ، وتارة باللّين والإنعام.
والثاني : أنه إنّما فعل ذلك بهم ؛ لأنّ من ينقل من النعمة والراحة إلى العذاب يجمع عليه العذاب والحسرة على ما فاته ؛ فيكون ذلك أشدّ عليه ممن ينقل من الشدّة إلى العذاب.
قوله عزوجل : (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) ؛ أي استؤصل بالهلاك آخر من بقي من القوم الكافرين. ودابر القوم : آخرهم من نسلهم وغيرهم ، بحيث لا يبقى لهم بعد ذلك باقية ، (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٤٥) ؛ يجوز أن يكون حمدا من الله تعالى لنفسه على إهلاكه القوم الكافرين والمعاندين بعد أن أعذرهم وأنذرهم. ويجوز أن يكون قوله : (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) تعليما من الله «للنّاس» يحمدونه على إهلاك الظالمين.