النّصر بقلّة العدد ولا بكثرته ولا من قبل الملائكة ، ولكن النصر من عند الله ، (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ؛) بالنّقمة ممن عصى ، (حَكِيمٌ) (١٠) ، في أفعاله.
وقد اختلفوا هل قاتلت الملائكة يوم بدر مع المؤمنين أم لا؟ قال بعضهم : لم يقاتلوا ولكنّ الله أيّد المؤمنين ليشجّع بهم قلوبهم ، ويلقي بهم الرّعب في قلوب الكافرين ، ولو بعثهم الله بالمحاربة لكان يكفي ملك واحد ، فإنّ جبريل أهلك بريشة واحدة سبعا من قرى قوم لوط ، وأهلك بصيحة واحدة جميع بلاد ثمود. وهذا القول أقرب إلى ظاهر الآية.
وقال بعضهم : إنّ الملائكة قاتلت ذلك اليوم ؛ لأنه روي أن أبا جهل قال لابن مسعود : من أين كان ذلك الضّرب الّذي كنّا نسمع ولا نرى شخصا؟ فقال له : (من الملائكة) فقال أبو جهل : هم غلبونا لا أنتم!
قوله تعالى : (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ ؛) قال جماعة من المفسّرين : وذلك أنّه لمّا أمر الله النبيّ صلىاللهعليهوسلم بالمسير إلى الكفّار ، سار بمن معه حتى إذا كان قريبا من بدر لقي رجلين في الطريق ، فسألهما : [هل مرّت بكما العير؟] قالا : نعم مرّت بنا ليلا ، وكان بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوسلم عشرة من المسلمين ، فأخذوا الرّجلين ، وكان أحدهما عبد العبّاس بن عبد المطّلب يقال له أبو رافع ، والآخر عبدا لعقبة بن أبي معيط يقال له أسلم كانا يسقيان الماء ، فجاؤا بهما إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، واستخلى بأبي رافع ودفع أسلم إلى أصحابه يسألونه ، فقال صلىاللهعليهوسلم لأبي رافع : [من خرج من أهل مكّة؟] فقال : ما بقي أحد إلا وقد خرج ، فقال صلىاللهعليهوسلم : [أتت مكّة اليوم بأفلاذ كبدها] ثمّ قال : [هل رجع منهم أحد؟] قال : نعم ؛ أبيّ بن شريف في ثلاثمائة من بني زهرة ، وكان خرج لمكان العير ، فلما أقبلت العير رجع ، فسمّاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم الأخنس حين خنس بقومه ، ثم أقبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم على أصحابه وهم يسألون أسلم ، وكان يقول لهم : خرج فلان وفلان ، وأبو بكر رضي الله عنه يضربه بالعصا ويقول له : كذبت بخبر الناس ، فقال صلىاللهعليهوسلم : [إن صدقكم ضربتموه ، وإن كذبكم تركتموه] فعلموا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد عرف أمرهم (١).
__________________
(١) أخرجه عبد الرزاق في المصنف : كتاب المغازي : وقعة بدر : الحديث (٩٧٢٧) عن عكرمة.