القبائح لا يصحّ إضافتها إلى الأنبياء ، ولأنّ الله تعالى قال : (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (١٩٠) ؛ ولأن الواحد منّا لو أتاه من يبعثه على أن يسمّي ولده عبد شمس أو عبد العزّى أو نحو هذا ، لم يقبل ذلك ، ولو أمكنه أن يعاقبه على ذلك فعل ، فكيف يجوز مثل هذا على آدم؟ وقد رفع الله قدره بالنبوّة.
وقال الحسن : (معناه : إنّ الله خلق حوّاء من ضلع آدم وجعلها سكنا له ، وكذلك حال الخلق مع أزواجهم ، كأنّه قال : وجعل من كلّ نفس زوجها ، كما قال في آية أخرى (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً)) (١).
قال الحسن : (انقضت قصّة آدم عند قوله (لِيَسْكُنَ إِلَيْها) ثمّ أخبر الله عن بعض خلقه أنّه تغشّى زوجته فحملت حملا خفيفا فمرّت به ، فلمّا أثقلها ما في بطنها دعوا الله ربّهما لئن آتيتنا صالحا لنشكرنّك ، فلمّا آتاهما صالحا جعلا له شركاء بعملهما الّذي عملاه بأن هوّداه أو نصّراه أو مجّساه ؛ أي علّماه شيئا من الأديان الخبيثة الّتي يدعو إليها إبليس ، ولهذا أعظم الله شأنه في آخر الآية فقال (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ،) ولو كان المراد بالآية آدم وحوّاء لقال : عمّا يشركان). يقال : إنّ حوّاء كانت تلد في كلّ بطن ذكرا وأنثى ، ويقال : ولدت لآدم في خمسمائة بطن ألف ولد.
وقرئ (جعلا له شركا) بكسر الشين على المصدر ، وكان من حقّه أن يقال على هذه القراءة جعلا لغيره شركا ؛ لأنّهما لا ينكران أنّ الأصل لله ، ويجوز أن يكون معناه : جعلا له ذا شرك فحذف كما في قوله (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ)(٢) أي أهل القرية.
قوله تعالى : (أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً ؛) معناه أيشركون في العبادة ما لا يقدر على خلق شيء يستحقّ به العبادة ؛ لأن الخلق هو الذي يدلّ على الله ، والله تعالى إنما يستحقّ العبادة على الخلق لخلقه أصول النّعم التي لا يقدر عليها أحد سواه ، مثل الحياة والسّمع والبصر والعقل ، فإذا لم تقدر الأصنام على خلق شيء لم تحسن عبادتها. قوله تعالى : (وَهُمْ يُخْلَقُونَ) (١٩١) ؛ معناه : الأصنام مخلوقة منحوتة ، وقيل : أراد به الأصنام والعابدين جميعا.
__________________
(١) الروم / ٢١
(٢) يوسف / ٨٢.