قوله تعالى : (وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً ؛) أي لا يستطيع الأصنام دفع ضرّ عنهم ، ولا جلب نفع إليهم ، (وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) (١٩٢) ؛ ولا أن تنصر نفسها بأن تدفع عن نفسها من أرادها بسوء. فإن قيل : كيف قال : ولا أنفسهم على لفظ من يعقل والأصنام موات؟ قيل : لأن الكفار كانوا يصوّرون منها على صورة من يعقل ، ويجرونها مجرى من يعقل ، فأجرى عليها لفظ ما قدّروا ما هم عليه. قوله عزوجل : (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ ؛) أي إن تدعوا الأصنام إلى الهدى لم تقبل الهدى ، فإنّها لا تهدي غيرها ، ولا تهتدي بأنفسها ولا تردّ جوابا ، وإن دعت إلى الهدى (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) (١٩٣) أم صمتّم عنهم لا يتّبعوكم.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ ؛) أراد الأصنام مملوكة مخلوقة أشباهكم ، سمّاها عبادا لأنّهم صوّروها على صورة الإنسان ، وقوله تعالى : (فَادْعُوهُمْ ؛) ليس هو الدعاء الأوّل ، ولكن أراد فادعوهم في مهمّاتكم عند الحاجة إلى كشف الأسواء عنكم.
وقوله تعالى : (فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ ؛) أي صيغته صيغة أمر (١) ، ومعناه التعجيز ؛ أي فليستجيبوا لكم ، (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١٩٤) ؛ في أنّها آلهة.
قوله تعالى : (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ) (١٩٥) ؛ معناه : إن معبودي ينصرني ويدفع كيد الكائدين عنّي ، ومعبودكم لا يقدر على نصركم ، فإن قدرتم أنتم على ضرّ فاجتمعوا أنتم مع الأصنام على كيد ولا تؤجّلوني.
وهذا لأنّهم كانوا يخوّفون النبيّ صلىاللهعليهوسلم بآلهتهم ، عرّف الله الكفار بهذه الآية أنّهم مفضّلون على الأصنام ؛ لأن لهم جوارح يتصرّفون بها وليس للأصنام ذلك ، فكيف
__________________
(١) في المخطوط : (صيغته صفة) والمعنى لا يستقيم ، والصحيح كما أثبتناه. في اللباب في علوم الكتاب ؛ قال ابن عادل : واللام ؛ لام الأمر على معنى التعجيز).