وقوله تعالى : (قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها ؛) أي على ما قصّرنا وضيّعنا في الدّنيا من عمل الآخرة ، (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ ؛) معناه : والكفّار يحملون أثقال آثامهم فوق ظهورهم بذنبوهم ، والذنب من أثقل ما يحمل. وقيل : معناه (عَلى ما فَرَّطْنا فِيها) أي في الصفقة.
وقوله تعالى : (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ) قال السّدّيّ : (ليس من رجل ظالم يموت فيدخل قبره إلّا أتاه رجل قبيح الوجه ؛ أسود اللّون ؛ منتنّ الرّائحة ؛ عليه ثياب دنسة ، فإذا رآه الظّالم قال له : ما أقبحك! فيقول : أنا عملك في الدّنيا ، فيكون معه في قبره ، فإذا بعث يوم القيامة قال له : طالما كنت أحملك على اللّذة والشّهوات ، فأنت اليوم تحملني. فيركبه وفي يده مقمعة فيضرب بها رأسه ؛ فيفضحه على رؤوس الخلائق حتّى يدخله النّار ، فذلك قوله : (يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ) (١).
قوله تعالى : (أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) (٣١) ؛ أي بئس الشيء الذي يحملون من الآثام. ويقال : بئس الشيء شيئا يزرونه ؛ أي يحملونه.
قوله عزوجل : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ؛) معناه : ما زينة الدّنيا وزهرتها إلا استمتاع ؛ يعني من قريب ، ثمّ يعقبه حسرة وندامة. وسمّي ذلك لعبا تشبّها بلعب الصّبيان ، يبنون بناء ثم يهدمونه ، يلعبون بشيء فيلهون به ، كذلك أهل الدّنيا يجمعون ما لا يأكلون ؛ ويبنون ما لا يسكونون ؛ ويأملون ما لا يدركون.
وهذا مثل ضربه الله تعالى لكفّار مكّة ، يفعلون ما لا يرجون به الثواب ، ولا يخشون منه العقاب ، ولا يتفكّرون في العاقبة كالصبيان والبهائم. واللّعب شغل النّفس عمّا لا حقيقة له ولا قصد. واللهو : طلب المزح بمثل ذلك.
قوله تعالى : (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ؛) يعني الجنّة أفضل للذين يتّقون الشرك والكبائر والفواحش ، (أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٣٢) ؛ أن الآخرة الباقية خير من الدنيا الفانية. قرأ ابن عامر : (ولدار الآخرة) بلام واحدة على الإضافة.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (١٠٢٧١).