ليتنا نردّ ، ويا ليتنا لا نكذب ، كأنّهم تمنّوا الردّ والتوفيق بالتصديق. ويجوز أن يكون ذلك رفعا على معنى : ونحن لا نكذّب بآيات ربنا ، رددنا أو لم نردّ.
قوله عزوجل : (بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ) ؛ أي بل ظهر للذين يتّبعون الغواة ما كان الغواة يخفون عنه من أمر البعث والنّشور ، وما كان رؤساؤهم يخفون من سفلتهم.
وقوله تعالى : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ ؛) أي لو ردّوا إلى الدنيا كما سألوا لعادوا لما نهوا عنه من الكفر والشّرك. قوله تعالى : (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (٢٨) ؛ يعني وإنّهم لكاذبون في قولهم : (وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لأنّهم لا يؤمنون لسابق علم الله تعالى فيهم أنّهم خلقوا للنار.
قوله تعالى : (وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا ؛) أي قال كفّار مكّة : ما حياتنا إلا كحياة الدّنيا ، (وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) (٢٩) ؛ بعد الموت.
قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ ؛) أي لو ترى يا محمّد إذ حبسوا عند ربهم للسؤال والحساب. ويقال : عرفوا ما وعدهم ربّهم من البعث والقيامة والجنّة والنار. (قالَ ؛) يقول الله تعالى لهم : (أَلَيْسَ هذا ؛) البعث والعذاب ، (بِالْحَقِّ ؛) أي بالصّدق ، (قالُوا بَلى وَرَبِّنا ؛) إنه لحقّ ؛ أي لصدق ، (قالَ ؛) يقول الله تعالى : (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) (٣٠) في الدّنيا.
وإنّما ذكر الذوق بمعنى الخلود ؛ ليبيّن أن حالهم في كلّ وقت كحال من يعذب بالعذاب المبتدأ. ومعنى (وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ) أي على حكم ربهم وقضائه ، فتقول لهم الملائكة بأمر الله تعالى : أليس هذا العذاب بالحقّ ، قالوا بلى وربنا إنه حقّ.
قوله تعالى : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ ؛) أي قد غبن الذين كذبوا بالبعث بعد الموت ، (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً ؛) أي فجأة ندموا في وقت لا ينفعهم الندامة. وسميّت القيامة ساعة ؛ لتوهّم قيامها في كلّ ساعة.