قوله تعالى : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ؛) معناه : قد نعلم إنّه ليحزنك ما يقول كفار مكّة من تكذيبهم إيّاك في العلانية وجحودهم بالله ، (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ ؛) في السرّ ولا بقلوبهم ؛ أي هم يعلمون أنك صادق وكنت تسمّى فيهم (الأمين) قبل الرسالة ، فلا يحزنك تكذيبهم إيّاك فيما يعلمون صدقك فيه ، (وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ ؛) المشركين ، (بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) (٣٣) ؛ بألسنتهم ما تشهد به قلوبهم بكذبهم فيه.
وقال السّدّيّ : (التقى الأخنس بن شريق وأبو جهل ؛ فقال الأخنس لأبي جهل : يا أبا الحكم ؛ أخبرني عن محمّد ؛ أصادق هو أم كاذب ؛ فإنّه ليس ها هنا أحد يسمع كلامنا؟ فقال أبو جهل : والله إنّ محمّدا لصادق ؛ وما كذب محمّد قطّ ، ولكن إذا ذهب بنو قصيّ باللّواء والسّقاية والحجابة والنّبوّة ؛ فماذا يكون لسائر قريش. فأنزل الله تعالى هذه الآية) (١). وقال : (معنى : (لا يُكَذِّبُونَكَ) لا يقدرون أن يقولوا لك فيما أنبأت به ممّا في كتب الأنبياء قبلك : كذبت!.
وقرأ نافع والكسائيّ : (يكذبونك) بالتخفيف. ومعناه : لا يجدونك كاذبا ، يقال : كذبت فلانا بالتشديد إذا قلت له : كذبت ، وأكذبت فلانا ؛ إذا رأيت ما أتى به كذبا. وقرأ نافع (ليحزنك) بضمّ الياء ، والمعنى واحد.
قوله عزوجل : (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا ؛) تسلية للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ليصبر على أذى الكفار ، ومعناه : أنّ الرسل قبلك كذبهم قومهم كما كذبك هؤلاء ، وآذوهم كما آذوك ؛ فصبر الرّسل على تكذيبهم وإيذائهم (حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا) أي أتاهم نصرنا بإهلاك قومهم ، فاصبر أنت أيضا على تكذيب قومك إيّاك وإيذائهم لك حتى يأتيك نصرنا.
قوله تعالى : (وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ) ؛ أي لا مغيّر لما وعدك الله من النصر والظّفر بقوله : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا)(٢) ، (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) (٣٤) أي من خبر المرسلين قبلك ما يكون لك فيه سلوة ، فاعتبر بأخبارهم.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (١٠٢٧٥).
(٢) غافر / ٥١.