منزلة بالآيات. قال مجاهد وعطاء : (معناه : ولو شئنا رفعنا عنه الكفر بالآيات وعصمناه ، (وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ ؛) أي ركن إلى الأرض) ، وقال مجاهد : (سكن إلى الأرض) (١) ، وقال مقاتل : (رضي بالدّنيا) (٢) ، وقيل : مال إلى مسافل الأمور ، وترك معاليها.
وأصل الإخلاد البقاء والإقامة واللّزوم على الدوام ، كأنه قال : لزم الميل إلى الأرض ؛ ليعجل الراحة واللّذات ، يقال : فلان مخلّد ؛ أي بطيء الشّيب. قوله تعالى : (وَاتَّبَعَ هَواهُ ؛) أي انقاد لهواه ، فلم يرفعه بالآيات ، قال عطاء : (أراد الدّنيا واتّبع شيطانه) ، وقال بعضهم : (وَاتَّبَعَ هَواهُ) أي امرأته ؛ لأنّها كانت حملته على الخيانة.
قوله تعالى : (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ؛) اللهث : شدّة النّفس عند الإعياء ، وهو في الكلب طبع ، فإنّ كلّ شيء يلهث من إعياء وعطش ما خلا الكلب ، فإنّه يلهث في الأحوال كلّها ، فإنّك إن طردته وزجرته يلهث ، وإن تركته يلهث ، فكذلك الكافر إن وعظته وزجرته لم يتّعظ ، وإن تركته لم يعقل ، وقال ابن عبّاس : (معناه أنّ الكافر إن تحمل عليه الحكمة لم يحملها ، وإن ترك عنها لم يهتد إليها ، كالكلب إن كان رابضا لهث ، وإن طرد لهث) (٣).
وقيل : هو المنافق لا ينيب إلى الحقّ دعي أم لم يدع ، وعظ أو لم يوعظ ، كالكلب يلهث ترك أو طرد ، وكذلك الكافر إن وعظته فهو ضالّ ، وإن تركته فهو ضالّ كالكلب ، ونظيره قوله تعالى : (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ)(٤).
قوله تعالى : (ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا ؛) أي ذلك صفة المكذّبين بآياتنا ، (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ ؛) أي أقصص عليهم أخبار المنافقين ؛ ليعتبروا
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١١٩٧٠).
(٢) ذكره مقاتل في التفسير : ج ١ ص ٤٢٥.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١١٩٧٦) بإسنادين.
(٤) الأعراف / ١٩٣.