ليدفعه عن تلك المدينة ، فقال لهم : دينه وديني واحد ، وهذا شيء لا يكون ، فكيف ادعو عليه وهو نبيّ الله ، ومعه الملائكة والمؤمنون ، وأنا أعلم من الله ما أعلم ، وإني إن فعلت ذلك ذهبت دنياي وآخرتي ، فلم يزالوا به يفتنونه بالمال والهدايا حتى فتنوه فافتتن.
فركب أتانا له متوجّها إلى جبل ليدعو عليه ، فما سار على الأتان إلّا قليلا فربضت فنزل عنها ، فضربها حتى كاد يهلكها ، فقامت فركبها فربضت ، فضربها فأنطقها الله تعالى ، فقالت : يا بلعم ويحك أين تذهب؟ ألا ترى إلى هؤلاء الملائكة أمامي تردّني عن وجهي؟ فكيف تريد أن تذهب لتدعو على نبيّ الله عليهالسلام وعلى المؤمنين؟ فخلّى سبيلها ، وانطلق حتى أتى إلى الجبل وحين وصل إلى الجبل ، وجعل يدعو فكان لا يدعو بسوء إلّا صرف الله لسانه إلى موسى ، فقال له قومه : يا بلعم! إنّما أنت تدعو علينا وتدعو لهم؟ فقال : هذا والله الذي أملكه ، وأنطق الله به لساني.
ثم امتدّ لسانه حتى بلغ صدره ، فقال لهم : قد ذهب منّي الآن الدّنيا والآخرة فلم يبق إلا المكر والحيلة ، فسأمكر لكم وأحتال ، حلّوا النساء وزيّنوهنّ وأعطوهن الطّيب ، وأرسلوهن إلى العسكر ومروهنّ لا تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها ، فإنّهم إن زنى منهم رجل واحد كفيتموهم ، ففعلوا.
فلما دخل النساء العسكر مرّت امرأة منهم برجل من عظماء بني إسرائيل ، فقام إليها فأخذها بيده حين أعجبته بحسنها ، ثم أقبل بها إلى موسى وقال له : إني لأظنّك أن تقول هذه حرام؟ قال : نعم هي حرام عليك لا تقربها ، قال : فو الله لا نطيعك في هذا! ثم دخل بها قبّته فوقع عليها ، فأرسل الله على بني إسرائيل الطاعون في الوقت.
وكان فنحاص بن العيزرا صاحب أمر موسى ، وكان رجلا له بسطة في الخلق وقوّة في البطش ، وكان غائبا حين صنع ذلك الرجل بالمرأة ما صنع ، فجاء والطاعون يحوس في بني إسرائيل ، فأخبر الخبر ، فأخذ حربته وكانت من حديد كلّها ، ثم دخل عليه القبّة ، فوجدهما متضاجعين فدقّهما بحربته حتى انتظمهما بها جميعا ، فخرج بهما يحملهما بالحربة رافعا بهما إلى السّماء ، والحربة قد أخذها بذراعه واعتمد بمرفقه وأسند الحربة إلى لحيته وجعل يقول : اللهمّ هكذا نفعل بمن يعصيك ، فرفع الطاعون