قوله تعالى : (أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ ؛) أي ولكيلا تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل ، وكنّا ذرّية من بعدهم فاتّبعناهم ؛ لأنّا قد جعلنا في عقولكم ما يمكّنكم أن تعرفوا به صحّة ما كان عليه آباؤكم وفساده. وقوله تعالى : (أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) (١٧٣) ؛ أي آباؤنا المشركون ، يقال لهم : لا نهلككم بما فعل آباؤكم ، وإنّما نهلككم بما فعلتم أنتم.
فإن قيل : كيف يكون الميثاق حجّة عليهم ـ أي على الكفّار منهم ـ وهم لا يذكرون ذلك حين أخرجهم من صلب آدم؟ قيل : لمّا أرسل الله الرّسل ، فأخبروهم بذلك الميثاق ، وصار قول الرّسل حجّة عليهم.
قوله : (ذُرِّيَّتَهُمْ) قرأ أهل مكّة وأهل الكوفة (ذرّيّتهم) بغير ألف ، وقرأ الباقون بالألف على الجمع ، وقوله تعالى : (أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ (أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ) قرأ أبو عمرو بالياء ، وقرأ الباقون بالتّاء فيهما.
وقوله تعالى : (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ ؛) أي هكذا نبيّن الآيات كما بيّنّاها في أمر الميثاق ، و (نُفَصِّلُ الْآياتِ) ذكر آية بعد آية من الموعظة والمعصية والوعد والوعيد. قوله تعالى : (وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (١٧٤) ؛ أي لكي يرجعوا عن الكفر إلى الإيمان ، والمعنى : ليعلموها مفصّلة ولعلّهم يرجعون.
وقوله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها ؛) قال ابن عبّاس وابن مسعود : (نزلت في بلعم بن باعورا) (١) ، قال مجاهد : (ويقال لهم : بلعم بن باعر) (٢) ، وقال مقاتل : (ويقال له أيضا : بلعام ، وكان عابدا من عبّاد بني إسرائيل ، وكان في المدينة التي قصدها موسى عليهالسلام ، وكان أهل تلك المدينة كفّارا ، وكان عنده اسم الله الأعظم ، فسأله ملكهم أن يدعو على موسى بالاسم الأعظم
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١١٩٤١) عن ابن مسعود بأسانيد كثيرة ، والأثر (١١٩٤٢) عن ابن عباس. واسم الرجل : بلعم بن باعوراء ، بلعام بن عامر ، أو ابن أبر أو باعر ، بألفاظ كثيرة في كتب التفسير.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١١٩٤٤).