(يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى ؛) يعني به أخذ الرّشوة في الحكم ؛ لتغيّر الحقّ إلى الباطل. وقال بعضهم : كانوا يحكمون بالحقّ لكن بالرّشوة ، وإنما سمي متاع الدنيا عرضا لقلّة بقائه كأنه يعرض فيزول. قال الله تعالى : (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا)(١) أراد بذلك السّحاب.
قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا ؛) أي يقولون مع أخذهم الرّشوة أنه سيغفر لنا ذلك ، وما عملناه باللّيل كفّر عنا بالنهار ، وما عملناه بالنهار كفّر عنا بالليل ، (وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ ؛) معناه : وإن عرض لهم ذنب آخر عملوه ، وفي هذا بيان أنّهم كانوا يصرّون على الذنب وأكل الحرام ، وكانوا يستغفرون مع الإصرار ، فكيف يغفر لهم.
قوله تعالى : (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ ؛) معناه : ألم يؤخذ عليهم الميثاق في التّوراة ألّا يقولوا على الله إلا الصّدق ، وكان في التوراة أنّ من ارتكب ذنبا عظيما لم يغفر له بالتوبة ، (وَدَرَسُوا ما فِيهِ ؛) فكانوا يدرسون ما في التّوراة ، ويذكرون ما أخذ عليهم من المواثيق ، يقولون مع إصرارهم على الذّنوب : سيغفر لنا.
وقال الحسن : (معنى الآية أنّهم كانوا يأخذون الدّنيا من كلّ وجه حرّم عليهم ويمنعون كلّ حقّ ، وينفقون في كلّ سرف ، ويتمنّون مع هذه الأشياء على الله الأمانيّ ، ويقولون : سيغفر لنا ، وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه كما أخذوا ، ألم يعرفوا في الكتاب خلاف ما هم عليه). وقرأ السلميّ : (وادّارسوا فيه مثل ادّاركوا) (٢).
قوله تعالى : (وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ؛) أي يتّقون المعاصي والشّرك وأكل الحرام ، (أَفَلا تَعْقِلُونَ) (١٦٩) ؛ ما يدرسون في كتابهم ، وقيل : أفلا يعقلون أن الإصرار على الذنب ليس من علامة المغفور لهم.
__________________
(١) الأحقاف / ٢٤.
(٢) في اللباب في علوم الكتاب : ج ٩ ص ٣٧٢ ؛ قال : ((وقرأ علي رضي الله عنه وأبو عبد الرحمن السلمي ...)) وذكره.