قوله تعالى : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ ؛) أي اختبرناهم بالخصب والجدب ، (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (١٦٨) ؛ من الكفر إلى الإيمان.
قوله تعالى : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ ؛) أي خلف من بعد هؤلاء الذين قطّعناهم في الأرض ذرّية سوء ، وهم الذين أدركهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، قال ابن الأعرابي (١) : (الخلف بفتح اللّام الصّالح ، وبإسكان اللام الطّالح) ، قال لبيد :
ذهب الّذين يعاش في أكنافهم |
|
وبقيت في خلف كجلد الأجرب |
ومنه قيل لردّ الكلام خلف ، ومنه المثل السائر (سكت ألفا ونطق خلفا) ، قال النّضر بن شميل : (الخلف بفتح اللّام وإسكانها في القرن السّوء ، وأمّا القرن الصّالح فتحريكها لا غير ، قال الشّاعر :
إنّا وجدنا خلفنا بئس الخلف |
|
عبدا إذا ما ناء بالحمل خضف (٢) |
وقال محمّد بن جرير : (أكثر ما جاء في المدح بفتح اللّام ، وفي الذم بتسكينها ، وقد تحرّك في الذمّ ويسكّن في المدح. قال حسّان في المدح :
لنا القدم الأولى إليك وخلفنا |
|
لأوّلنا في طاعة الله تابع |
قال : (وأحسبه في الذمّ مأخوذ من خلف اللّبن إذا حمض من طول تركه في السّقاء حتّى يفسد ، ومنه قولهم : خلف فم الصّائم ؛ إذا تغيّرت ريحه وفسدت ، فكأنّ الرّجل الفاسد مشبّه به) (٣). والحاصل أنّ كلا منهما يستعملان في الشرّ والخير ، إلّا أنّ أكثر الاستعمال في الخير بالفتح.
قوله تعالى : (وَرِثُوا الْكِتابَ) أي التّوراة ، والميراث ما صار للباقي من جهة البادي كأنه قال فخلف من بعد الهالكين منهم خلف ورثوا الكتاب. وقوله تعالى :
__________________
(١) ينظر : الجامع لأحكام القرآن : ج ٧ ص ٣١٠.
(٢) في لسان العرب : ج ٤ ص ١٢٩ : (خضف). وخضف : إذا ضرط. والخضيف : الضروط من النساء والرجال.
(٣) قاله الطبري في جامع البيان : مج ٦ ج ٩ ص ١٤٢ : تفسير الآية (١٦٩) إلا عبارة : (ومنه قولهم : خلف فم الصائم إذا تغيّرت ريحه وفسدت)) فإنها غير موجودة في جامع البيان ولها تصرف من سماع الطبراني أو أنها ساقطة من المطبوع من تفسير الطبري.