ولم يذكر في الآية حال الفرقة الثالثة ، وقد روي عن ابن عبّاس أنه قال : (كان القوم ثلاث فرق ، فكانت الفرقة الوسطى تعمل بالسّوء ، والفرقة اليمنى تنهى وتحذّرهم بأس الله ، وكانت الأخرى تكفّ ألسنتها وتمسك أيديها. فلمّا عملت الوسطى بذلك زمانا ، وكثرت أموالهم ، ولم ينزل بهم عقوبة ، استبشروا وقالوا ما نرى السّبت إلّا قد حلّ لنا وذهبت حرمته ، وكانوا نحوا من سبعين ألفا ، وكانت الفرقة النّاهية نحو اثنى عشر ألفا ، يقولون لهم : لا تعدوا ، ولا تأمنوا من عذاب الله ، فلم يتّعظوا فأصبحوا وقد مسخهم الله قردة خاسئين ، فمكثوا كذلك ثلاثة أيّام عبرة للنّاظرين ، ثمّ ماتوا) (١).
قال ابن عبّاس : ((وأنجينا الّذين ينهون عن السّوء) وليت شعري ما صنع الله بالّذين لم ينهوا) (٢) ، وقال عكرمة : (بل أهلكهم الله أيضا وما نجّا إلّا الّذين ينهون عن السّوء ، وهلك الباقون بظلمهم بالاستحلال وترك الأمر بالمعروف). فقال ابن عبّاس : (نزل والله بالمداهن ما نزل بالمستحلّ).
وقال الحسن : (نجت فرقتان ، وهلكت فرقة) وأنكر القول الذي ذكر له عن ابن عبّاس ، وقال : (ما هلكت إلّا فرقة ؛ لأنّه ليس شيء أبلغ في الأمر بالمعروف والوعظ من ذكر الوعيد ، وقد ذكرت الفرقة الثّالثة الوعيد فقالت : لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذّبهم عذابا شديدا) وقول الحسن أقرب إلى ظاهر الآية (٣).
قوله تعالى : (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ ؛) أي أبوا أن يرجعوا عن المعصية ، والعاتي هو شديد الدّخول في الفساد المتمرّد الذي لا يقبل الموعظة. وقوله تعالى : (قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ ؛) (١٦٦) أي مطرودين مبعدين عن كلّ خير ، من قولهم : خسّأت الكلب إذا قلت له : اخسأ على الطرد له. قال ابن عبّاس : (يا لها من أكلة ما أوخمها أن مسخوا قردة في الدّنيا وفي الآخرة النّار).
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١١٨٦٧) بمعناه ، و (١١٨٦٨ و ١١٨٦٩)
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١١٨٦٨ ـ ١١٨٧٠).
(٣) وذهب ابن عباس من ثمّة إلى هذا القول ، نقله السيوطي في الدر المنثور : ج ٣ ص ٥٦٠ عن عكرمة وقال : ((أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر)).