يلقون الشّبكة في الماء في يوم السّبت ، ويقولون حتى يقع فيها السّمك ، ثم لا يخرجون الشّبكة من الماء إلّا يوم الأحد ، وقالوا إنّما نصطاد في يوم الأحد ، قوله تعالى : (كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) (١٦٣) ؛ أي كذلك نشدّد عليهم في التّكليف بعصيانهم وفسقهم.
ووقف بعض القرّاء على قوله : (كذلك) على معنى لا تأتيهم في غير يوم السّبت كما تأتيهم في يوم السّبت ، ثمّ ابتدأ فقال (نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ.) فإن قيل : كيف عرّف الله الحيتان الفضل من يوم السّبت وغيره من الأيّام؟ قيل : لا يمتنع أنّ الله عرّفها ذلك أو قوّى دواعيها ؛ أي إلى الشّروع في يوم السّبت معجزة لنبيّ ذلك الوقت وابتلاء لأولئك القوم.
قوله تعالى : (وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً ؛) في الآية بيان أنه كان في هذه القرية فرقة يعظون المذنبين ، والمعنى : إذ قالت عصبة من أهل تلك القرية للواعظين لم تعظون قوما الله مهلكم في الدّنيا أو معذّبهم عذابا شديدا في الآخرة؟ ولم يقولوا هذا كراهة للوعظ ولا رضى بالمعصية منهم ، ولكن قالوا ذلك ليأسهم عن قبول الوعظ.
وقوله تعالى : (قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ ؛) أي قالت الفرقة الواعظة : موعظتنا إيّاهم معذرة إلى الله أن نبتلى بذلك عذرا عند الله. ومن قرأ (معذرة) بالنصب فعلى معنى يعتذرون معذرة. وقوله تعالى : (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (١٦٤) ؛ أي ورجاء أن يتقوه ، فكأن الواعظين لم ييأسوا من قبولهم الوعظ. وقيل : معناه : لعلهم يتقون صيد الحيتان.
قوله تعالى : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ ؛) أي فلمّا تركوا ما وعظوا به ، (أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ ؛) أي خلّصنا الذين ينهون عن حبس السّمك في الحظيرة يوم السّبت ، (وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ ؛) أي شديد ، يقال بئس وبيس وبأس إذا اشتدّ ، وبؤس يبؤس بؤسا إذا افتقر. وقوله تعالى : (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) (١٦٥) ؛ أي بفسقهم.