(فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) أي أوحى ربّه). قال : (وما رأى موسى ربّه قط ، ولكن أوحى الله إلى الجبل هل تطيق رؤيتي ، فساخ الجبل وموسى ينظر) (١).
وقيل : إنّ الله تعالى أبرز من العرش مقدارا الظّفر فتدكدك الجبل ؛ لأن أجسام الدّنيا لا تحتمل آيات القيامة والأجسام العلويّة ، إذ من حكم الدّنيا أن تفنى بآيات القيامة ، فلا تحتملها الدّنيا.
وقرأ بعضهم (دكّاء) بالهمز والمدّ ؛ أي طار أعلى الجبل وبقي أسفله دكّا ، والدّكأ واحد الدّكوات ؛ وهي روابي الأرض التي تكون ناشزة لا تبلغ أن تكون جبلا ، وناقة دكّاء اذا لم يكن لها سنام. ويحتمل أن يكون معنى الدّكّ دقّ الجبل على الأرض ، يقال دكدكت الشيء اذا دققته. وقرأ عاصم (دكّا) ههنا بالقصر والتنوين ، والتي في الكهف بالمدّ من غير تنوين ، ومدّهما حمزة والكسائيّ والباقين مقصورين منوّنين.
وقيل : لمّا سأل موسى ربّه أرسل الله الضباب والصواعق والظّلمة والرعد والبرق ، فأحاطت بالجبل الذي عليه موسى وأمر الله ملائكته يعرضوا على موسى ، فقال لهم : اهبطوا إلى عبدي موسى الذي أراد أن يراني ، فهبطوا عليه في يد كلّ ملك منهم مثل النّخلة الطويلة نارا شديدة الضوء أشدّ ضوءا من الشمس ، ولباسهم كلهب النار ، كلّهم يقولون بشدّة أصواتهم : سبّوح قدّوس ربّ العزّة أبدا لا يموت ، وفي رأس كلّ منهم أربعة أوجه.
فلما رآهم موسى فزع وجعل يسبح معهم وهو يبكي ويقول : رب اذكرني ولا تنس عبدك ، فقال له رئيس الملائكة : اصبر لما سألت ، ثم رفعت الملائكة أصواتهم ، وارتجّ الجبل واندكّ وخرّ العبد موسى صعقا على وجهه ، فلما أفاق قال : سبحانك آمنت وصدّقت أنه لا يراك أحد في الدّنيا ، فإذا كان من نظر إلى ملائكتك انخلع قلبه ، فما أعظمك يا رب.
وعن سهل : (أنّ الله تعالى أظهر من سبعين ألف حجاب نورا قدر الدّرهم فجعل الجبل دكّا).
__________________
(١) وبمعناه أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١١٧٢١) عن مجاهد.