(وَأَصْلِحْ ؛) فيما بينهم ، (وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) (١٤٢) منهم ، ولا ترض بعملهم ، وذلك أنّ موسى كان يشاهد كثرة خلافهم حالا بعد حال ، فأوصاه في أمرهم. ومن قرأ (هارون) بالرفع فمعناه : قال هارون.
قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ؛) أي لمّا انتهى موسى إلى المكان الذي وقّتنا له ، وأمرناه بالسّير إليه وهو مدين ، وقوله تعالى : (وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) أي كلّمه من غير ترجمان ولا سفير ، كما كلّم الأنبياء على ألسنة الملائكة.
فلما ناجاه ربّه استحلى كلامه ، واشتاق إلى رؤية ربه وطمع فيها ، ف (قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ؛) أي اعطني أنظر إليك ، (قالَ لَنْ تَرانِي ؛) ولست تطيق النظر إليّ في الدّنيا ، فمن نظر إليّ مات ، فقال : إني سمعت كلامك واشتقت إلى رؤيتك ، ولأن أنظر إليك ثم أموت أحبّ إليّ من أن أعيش ولا أراك ، فقال الله تعالى : (وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ ؛) أي إلى أعظم جبل لمدين وهو جبل زبير ، (فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي.)
قوله تعالى : (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ؛) أي ظهر له من نوره ما شاء ، ويقال ألقى عليه نورا من الأنوار ، (جَعَلَهُ دَكًّا ؛) أي كسّره جبالا صغارا ، تقطّع الجبل من هيبة الله عزوجل ، فصار ثماني فرق ، أربع قطع منه وقعن بمكّة : ثور وثبير وحراء وغار ثور ، وأربع قطع وقعن بالمدينة : أحد وروق ورضوى والمهراس.
وقوله تعالى : (وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً ؛) أي سقط مغشيّا عليه ، (فَلَمَّا أَفاقَ) من غشيته ، (قالَ سُبْحانَكَ ؛) أي تنزيها لك من قولي ومن كلّ سوء ، (تُبْتُ إِلَيْكَ ؛) من مسألتي للرّؤية ، (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) (١٤٣) من أهل هذا الزّمان إنك لا ترى في الدّنيا.
وقال الحسن : (قال الله تعالى لموسى : أعرض رؤيتي على الجبل ، فإن لم يحملها مع عظمه وبقائه على مرّ الزّمان ، فأنت أيضا لا تحملها) (١). قال : (معنى قوله
__________________
(١) في الدر المنثور : ج ٣ ص ٥٤٣ ؛ قال السيوطي : ((أخرجه أبو الشيخ عن ابن عباس ... وذكره)).