وكان موسى عليهالسلام رجلا حديدا ، فدعا عليهم ؛ فأرسل عليهم الطوفان كما قال عزوجل : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ ؛) اختلفوا في الطّوفان ما هو؟ قال الضحّاك : (الغرق). وقال عطاء ومجاهد : (الموت الغالب الشّائع). (١) وقال وهب : (الطّوفان : هو الطّاعون بلغة أهل اليمن). وقال أبو قلابة : (هو الجدريّ ؛ وهم أوّل من عذّبوا به ، وبقي في النّاس إلى الآن). وقال الأخفش : (هو السّيل الشّديد). وقال مقاتل : (هو الماء طغى فوق حروثهم).
وقال بعضهم : هو كثرة المطر والريح. والأظهر ما قاله ابن عبّاس : (أنّه المطر الدّائم ، أرسل الله المطر عليهم ليلا ونهارا من السّبت إلى السّبت ، حتّى خربت أبنيتهم ، وكاد أن يصير المطر بحرا ، فخافوا الغرق).
قال ابن عبّاس وسعيد بن جبير وقتادة : (٢) (لمّا آمنت السّحرة واغتلب فرعون ، وأبى هو وقومه إلا الإقامة على الكفر والتّمادي في الشرّ ، أخذهم الله بالسّنين ، ونقص من الثمرات ، فلما عالجهم موسى بالآيات الأربع : العصا ؛ واليد ؛ والسّنين ؛ ونقص من الثّمرات ، دعا فقال : يا رب! إنّ عبدك فرعون علا في الأرض وبغى وعتى ، وإن قومه قد نقضوا عهدك وأخلفوا وعدك ، ربي فخذهم بعقوبة تجعلها لهم نقمة ولقومي عظة ولمن بعدهم من الأمم عبرة.
فبعث الله عليهم الطوفان ؛ وهو الماء أرسله عليهم من السّماء حتى كادوا يهلكون ، وبيوت بني إسرائيل وبيوت القبط مشبكة مختلطة بعضها ببعض ، فامتلأت بيوت القبط ماء حتى قاموا في الماء إلى تراقيهم من جلس منهم غرق ، ولم يدخل بيوت بني إسرائيل من الماء قطرة واحدة ، فأقام ذلك عليهم سبعة أيّام.
فقالوا : يا موسى! أدع لنا ربّك يكشف عنا المطر ، فنؤمن بك ونرسل معك بني إسرائيل. فدعا ربّه فكشف عنهم ذلك ، وأرسل الريح فجفّفت الأرض ، وخرج من
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١١٦٤٧).
(٢) بمعناه أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١١٦٥٩) عن سعيد ، والأثر (١١٦٦٢).