النبات شيء لم يروا مثله ، فقالوا : هذا الذي كنّا نتمنّاه ، وما كان هذا الماء إلا نعمة علينا وخصبا ، فلا والله لا نؤمن بك يا موسى ، ولا نرسل معك بني إسرائيل.
فنقضوا العهد ، وعصوا ربّهم واقاموا على كفرهم شهرا ، فبعث الله عليهم الجراد ، وغشى مصر منه أمر عظيم حال بينهم وبين الماء وغطّى الشمس ؛ ووقع على الأرض بعضه على بعض ذراعا ، فأكل جميع ما ينبت في الأرض ؛ وأكل الأشجار ؛ حتى أكل الأبواب وسقوف البيوت والخشب والثياب والأمتعة ؛ حتى مسامير الحديد ، ولم يدخل بيوت بني إسرائيل منه شيء ، فعجّلوا إلى موسى و؛ (قالُوا :) يا أيّها الساحر! (ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ) ، وأرادوا بالساحر العالم يعظّمونه.
فدعا موسى ربّه ، فكشف عنهم الجراد بعد أن أقام في أرضهم سبعة أيام فلم يبق في الأرض جرادة واحدة ، ثم نظروا فإذا في بعض المواضع من نواحي مصر بقيّة من كلأ وزرع ، فقالوا : هذا يكفينا بقيّة عامنا هذا ، فلا والله لا نؤمن لك يا موسى ولا نرسل معك بني إسرائيل ، فأرسل الله عليهم القمّل ؛ وهم صغار الجراد يقال له الدباء. وقيل : أرسل الله عليهم سوس الحنطة ، فمكث في أرضهم سبعة أيام ، فلم يبق لهم عودا خضرا إلا أكله ، ولحس جميع ما بقي في أرضهم.
وقال سعيد بن جبير : (القمّل : هو السّوس الّذي يخرج من الحبوب). (١) يقال : إنّ موسى عليهالسلام أتى إلى كثيب من كثب قرى مصر ، وكان كثيبا أهيل عظيما ، فضربه بعصاه ، فانبعث قملا ، فأكل جميع ما على الأرض حتى لحسها ، وكان يدخل بين ثيابهم وجلودهم ، فينهشهم ويأكل أشعارهم وحواجبهم وأشعار عيونهم ، ومنعهم النوم والقرار ، وظهر بهم منه الجدري ، وكان أحدهم لا يأكل لقمة إلا مملوءة قملا. فصرخوا إلى موسى : أدع لنا ربّك في هذه المرّة ، ونعطيك عهودا ومواثيق لنؤمننّ لك ولنرسلنّ معك بني إسرائيل.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١١٦٤٩) عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.