وأصحابه ؛ فقالوا : أصابنا هذا البلاء من شؤم هؤلاء. والطّيرة في اللغة : الشّأمة كما روي [أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم كان يحبّ الفأل ويكره الطّيرة]. (١)
والأصل في هذا : أن العرب كانوا يتفاءلون بالطّير ؛ فإن جاءهم طائر من جهة اليمين وهو السّانح ؛ (٢) تبرّكوا به ، وإن جاءهم من جهة الشّمال وهو البارح يتشاءموا به ، ثم كثر قولهم في الطير حتى استعملوه في كلّ ما تشاءموا به. ومعنى الآية : (يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) أي تشاءموا بهم وقالوا : ما أصابنا بلاء حتى رأيناكم.
وقرأ طلحة (تطيّروا) بالتاء وتخفيف الطّاء على الفعل الماضي ، قال سعيد بن جبير : (كان ملك فرعون أربعمائة سنة ، فعاش ثلاثمائة سنة لا يرى مكروها ، ولو رأى في تلك المدّة جوع يوم ، أو حمّى يوم ، أو وجع ساعة لما ادّعى الرّبوبيّة).
قوله تعالى : (أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ ؛) معناه : الذي أصابهم من الخصب والجدب والخير والشرّ كلّ ذلك من عند الله ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (١٣١) ؛ أنه أصابهم من عند الله. وقال ابن عبّاس : (معناه : ألا إنّما مصابهم عند الله). وقال ابن جريج : (الأمر كلّه من قبل الله).
وقيل : معناه : ألا إنّما الشؤم الذي يلحقكم هو الذي وعدوا به في الآخرة لا ما نالهم من الدّنيا ، فإن القحط الذي هم فيه قليل في جنب عقوبة الآخرة. وقرأ الحسن : (ألا إنّما طيرهم عند الله) بغير الألف ، والمعنى واحد.
قوله تعالى : (وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها ؛) قال الخليل : (أصل (مهما) : مأما ، أبدلت الألف الأولى هاء لتخفيف اللّفظ). وقال بعضهم : معنى (مه) : أكفف ، ثم قال : (مَهْما تَأْتِنا بِهِ) بمعنى الشرط ؛ أي ما تأتنا به من علامة يا موسى (لِتَسْحَرَنا بِها) أي لتوهمنا أنّها الحقّ ، (فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) (١٣٢) أي بمصدّقين بالرسالة.
__________________
(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند : ج ٢ ص ٣٣٢ عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) في المخطوط : (الصائح).