قال وهب : (جعلهم أصنافا في خدمته : قوم يحملون السّواري من الجبال ؛ وقد قرحت أعناقهم وعوانقهم ودبرت ظهورهم من ثقل ذلك ، وقوم قد جرحوا من ثقل الحجارة والطّين للبناء ، وقوم يبنون الطّين ويطبخون الآجرّ ، وقوم نجّارون ، وقوم حدّادون. وأمّا الضّعفاء الّذين لا يطيقون العمل ؛ فجعل عليهم الخراج يؤدّونه كلّ يوم ، فمن خرجت عليه الشّمس قبل أن يؤدّي غلّت يمينه إلى عنقه. وأمّا النّساء فيغزلن الكتّان وينسجنه).
فلما شكوا إلى موسى (قالوا : أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا) ، (قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ ؛) يعني فرعون وقومه ، (وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ ؛) أي ويجعل لكم سكنا في أرض مصر من بعدهم. و (عسى) كلمة إطماع وما أطمع الله فيه فهو واجب ؛ لأن الكريم إذا أطمع وإذا وعد وفّى ، فيصير كأنه أوجبه على نفسه. وقوله تعالى : (وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (١٢٩) ؛ أي فيرى عملكم كيف تشكرون صنعه ، كأنه قال : ويستخلفكم في الأرض ؛ لكي تعملوا بطاعة الله.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ ؛) أي أخذنا قوم فرعون وأهل دينه بالجوع عاما بعد عام إلى تسعة أعوام. وآل الرّجل : خاصّته الّذين يؤول أمره إليهم ؛ وأمرهم إليه. والسّنون في كلام العرب : الجدب ؛ يقال : مسّتهم السّنون ؛ أي الجدب. وقوله تعالى : (وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ ؛) أي زيادة في القحط ؛ لأن الثمار قوت الناس وغذاؤهم ، (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (١٣٠) ؛ أي لكي يتّعظوا فيؤمنوا ، فلم يتّعظوا. وقيل : أراد بقوله : (وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ) الغلاء.
قوله تعالى : (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ ؛) أي إذا جاءهم الخصب والخير قالوا : نحن أهل لهذه الحسنة وأحقّ بها ، فمن عادة بلادنا أنّها تأتي بالسّعة والخصب. ولم يروا ذلك منّا وتفضّلا من الله ، (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ ؛) جدوبة وقحط وبلاء وشدّة ؛ (يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ ؛) أي يتشاءموا بموسى